رأيت أن أكتب هذه التوطئة للسفر الثانى من مخطوط عقد الجمان الخاص بالعصر الأيوبى والذى يغطى الفترة التى تبدأ من عام ٥٧٩ هـ إلى عام ٥٨٩ هـ.
ورؤيتى هذه راجعة إلى ما يلى:
أولاً: إن غالبية المحققين قد اعتادوا على كتابة مقدمة ودراسة أحياناً في بداية الجزء الأول فقط، ثم يعرضون بقية الأجزاء تباعاً، دون أن يخط قلمهم بشيء يتصل بهذه الأجزاء إلا أننى رأيت أنه من الأوفق كتابة هذه التوطئة لأن نسخة المخطوط الرئيسة التى اعتمدت عليها في تحقيق الجزء الأول تنتهى عند سنة ٥٧٨ هـ، بينما النسخة الأخرى أي غير الرئيسة رقم ١٥٨٤ تاريخ تتناول السفر الثانى الذى يبدأ بسنة ٥٧٩ هـ وينتهى في سنة ٥٨٩ هـ/ ١١٨٣ م - ١١٩٣ م. ولذلك اعتبرتها هى النسخة الرئيسة.
ثانياً: إن هذه الفترة لها من الأهمية ما ليس لغيرها نظراً لشهودها أحداثاً جساماً ومعالم يتميز بها تاريخ المسلمين، بسبب ما حدث فيها من صد هجمة شرسة استهدفت قلب العالم الإسلامى مستتره وراء شعار الصليب والصليب منها براء.
ثالثاً: تميزت هذه الفترة بأخطر ما تعرض له العالم الإسلامى على المستويين الداخلى والخارجى، وإن كان الجانب الخارجى غير مقطوع الصلة بتداعيات الجانب الداخلى.
فالجانب الداخلى اتسم بالضعف والتفكك في العالم الإسلامى نتيجة لوجود خلافتين عباسية في بغداد، وفاطمية في القاهرة، مما أشعل الصراع بينهما فكرياً وعسكرياً، فالخلافة العباسية كانت تعتنق المذهب السنى، والخلافة الفاطمية كانت تعتنق المذهب الشيعى الباطنى. وكما هو واضح كان البون بين الجانبين شاسعاً، إذ لم يقتصر الصراع على الجانب الفكرى بل تعداه إلى الجانب العسكرى والسياسى، مما أدى إلى إضعاف كلا الجانبين، وأصبح العالم الإسلامى بذلك مهيئاً لتلقى الكوارث التى جاءت من قبل جيوش أوربا الطامعة في الثروة واغتصاب الأرض وانتهاك العرض.
رابعاً: بناء على ما تقدم نجد أن هذا السفر يتحدث عن البطل الذى كان العالم الإسلامى في انتظاره ليرأب الصدع الداخلى والخارجى في آن واحد خاصة أننا ألمحنا