للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الثاني في صفته]

كان أسمر (١) صافي السمرة جدًا إلى الطول، جميل الوجه، أفوه، أعين، شديد الكحل، ضخم الأعضاء جهوري الصوت، جزل الأعضاء، من أصدق الناس لهجة وأحسنهم حديثًا وأكثرهم أصابه بالظن، مجربة للأمور، ولي وزارة أبيه فبحث عن الأحوال بحثًا شافيًا وطالع مقاصد العمال والولاة وغيرهم مطالعة حسنة.

[الثالث في سيرته]

لما ولى قام بالأمر أحسن قيام، وهو الذي أظهر أبهة ملكهم ورفع راية الجهاد ونصب ميزان العدل، وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع، ونظر في أمور الدين والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته والأقربين، كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه، وعظمت الفتوحات وغزا غزوات كثيرة، وجال في البلاد لأجل الجهاد (٢).

وقال أبو شامة صاحب الذيل: كان ملكا جوادًا سمحًا عادلًا، يكرم العلماء متمسكًا بالشرع، يصلي بالناس الصلوات الخمس، فيلبس الصوف، ويقف للمرأة (٣) والضعيف ويأخذ لهم بالحق، حافظا للسانه.

وقال ابن خلكان: وكان يشدد في إلزام الرعية بإقامة الصلوات الخمس، وقتل في بعض الأحيان على شراب الخمر، وقتل العمال الذين شكوا الرعايا منهم، وكان محسنًا محبًا للعلماء، مقربًا للأدباء، مصغيًا إلى المدح، مثيبًا عليه، وله أَلَّفَ أبو العباس أحمد ابن عبد السلام الجراوي (٤) كتابه الذي سماه "صفوة الأدب وديوان العرب في مختار الشعر"، وهو مجموع مليح أحسن في اختياره كل إحسان، وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية المغربية.


(١) ذكر ابن خلكان أنه كان "أبيض تعلوه حمرة"، وفيات الأعيان، ج ٧، ١٣٤.
(٢) ورد هذا الحدث بتصرف في مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٩٨.
(٣) ورد هذا الحدث في البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٩.
(٤) أحمد بن عبد السلام الجراوي: ويقال له الكواريي، وكورايا قبيلة من البربر منازلهم بضواحي مدينة فاس، توفي آخر أيام الأمير يعقوب بن الأمير يوسف. وفيات الأعيان، ج ٧، ص ٦٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>