وفي المرآة: وهو الذي كسر ألفنش ملك الإفرنج على الزلاقة. ولم تكن للألفنش مع كثرة جيوشه طاقة، ولم يكن في ولاة المغرب من له سيرة كسيرته، وقد أثنى عليه أرباب السير، وذكره عبد المنعم بن عمر في تاريخه وأثنى عليه وقال:"لما توفي أبوه يوسف قام بالأمر أحسن قيام، فأقر العيون بما قرر من قواعد الإسلام، ونشر كلمة التوحيد، وأذل من أهل الكفر كل جبار عنيد، ورفع غاية الاجتهاد، فتضرع باجتهاده كل ناد، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ونشر نشره أذكى من العنبر، وضوء كرمه أعلى من ضوء القمر الأنور. وأقام الحدود على العالمين. وخصوصًا على أهله وعشيرته الأقربين، فاستقامت الأمور ببركاته، وظهرت الفتوح العظيمة بعزماته، وانتشرت الخيرات بكراماته".
وقال السبط: حكى لي الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس بن تامتنب المغربي اللواتي بالديار المصرية بالقرافة في سنة أربعين وستمائة من فضائل الملك المنصور يعقوب بن يوسف المذكور، وكان أبو العباس قد صحبه زمانا وانتفع به واستفاد منه، قال: وكلما أحكيته عنه فهو على المشاهدة والعيان لا عن فلان وفلان. قال في ذلك: إنه قدم بلدة فاس رجل شريف، وكان فاضًا لطيفًا، وكان يعظ بصوت طيب، فجلس بها فمال الناس إليه، وأرادوا أن يبايعوه، وبلغ خبره إلى يعقوب، فكتب إليه كتابا يقول فيه: "قد بلغنا قدومك البلاد ووصول بركتك إلى أهلها، ونحن نسألك أن تقدم علينا لنأخذ حظنا منك، كما أخذ أهل البلاد حظهم. وبعث إليه بعشرة آلاف دينار، فخاف الشريف، واجتمع إليه أهل البلاد، وقالوا: متى وقعت في يده قتلك، فأظهر العصيان، ونحن وأهل الجبال معك. فقال الشريف: معاذ الله أن أكون سببا لإراقة دم مسلم، ولكني أسير إليه، وأستعين بالله عليه. وبلغ يعقوب قوله، فلما قرب من مراكش تخرج يعقوب فاستقبله وأنزله معه في قصره، وحمل إليه المال والتحف، وجلس يسمع كلامه، وكان يجالسه. واتفق عبور يعقوب للقاء ألفنش، ومن عادتهم يوم المصاف أن يصلي الخليفة بالناس الفجر، ويركب معه خمسة آلاف من القراء مُلبسين الدروع، حاملين الأسلحة، فيقرءون سُبْعًا من القرآن، ويدعو الخليفة، لا يدعو غيره، وكان له طبال اسمه حماد -مقدم الطبّالين- وخلفه مائة كوس، وليس في العسكر من له طبل