للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى (١) المرآة: وكانوا قد قصدوا أن يسيروا إلى مصر ثم [عدلوا] (٢) عن ذلك، وقووا عزمهم على القدس، واستدعوا الفارس والراجل، فاجتمع عندهم خلق عظيم، فساروا من الرملة إلى بيت نُوبة.

[ذكر تصميم الفرنج على محاصرة القدس]

ولما جرى ما ذكرنا، شاور السلطان الأمراء في القدس وقال لهم: أنتم جند الإسلام ومنعته، ودماء المسلمين وأموالهم وأهاليهم متعلقة بكم، فإن جبنتم طووا البلاد طيًا وكنتم المطالبين بذاك. فقالوا: نحن مماليكك وما تطير رؤوسنا إلا بين يديك. وافترقوا على هذا (٣). ثم تهيأ السلطان لذلك وأكمل السور وعمق الخنادق ونصب الآلات والمجانيق، وأمر بتغوير ما حول القدس من المياه، ثم أحضر الأمراء ليلة الجمعة التاسع عشر من جمادى الآخرة وفيهم أبو الهيجاء السمين، والمشطوب، والأسدية بكمالهم، فاستشارهم السلطان فيما قد دهم من الأمر الفظيع، فأفاضوا في الكلام (٤) وأشار كل برأى. وأشار العماد الكاتب بأن يتحالفوا على الموت عند الصخرة، كما كانت الصحابة رضي الله عنهم يفعلون، فأجابوا إلى ذلك كلهم.

هذا كله والسلطان ساكت واجم مفكر، فسكت القوم حتى كأن على رؤوسهم الطير، ثم قال: الحمد لله والصلاة على رسول الله، اعلموا أنكم جند الإسلام اليوم، وليس لهذا العدو من يلقاه غيركم، فإن طويتم أعِنَّتكم - والعياذ بالله - طووا البلاد كطى السجل للكتاب. وقال: ذلك في ذمتكم، وأكلتم مال بيت مال المسلمين، فالمسلمون في سائر البلاد متعلقون بكم. فانتدب لجوابه سيف الدين المشطوب وقال: يا مولانا نحن مماليكك وعبيدك وأنت الذى أنعمت علينا وأعطيتنا وأغنيتنا، وليس لنا إلا رقابنا وهى بين يديك، والله ما يرجع أحد منا عن نصرتك إلى أن تموت بين يديك. فقال بقية


(١) نقل العينى هذا النص بتصرف من النوادر السلطانية، ص ٢١٥.
(٢) "عادوا" كذا في الأصل. والتصحيح من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٦٧.
(٣) إلى هنا توقف العينى من النقل من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٦٧. ولمعرفة المزيد عن هذا الحدث انظر: النوادر السلطانية، ص ٢١٦.
(٤) انظر: البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٤٨؛ النوادر السلطانية، ص ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>