للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر مجيء الكرج إلى خلاط]

قد ذكرنا أن ملوك (١) الجزيرة لما اتفقوا على العصيان على الملك العادل أرسلوا إلى الكرج ليتقدموا ويحاصروا خلاط ويأخذوها من الملك الأوحد بن العادل، وكان قصدهم إشغال العادل وتفريق شمله، فأقبلت الكرج مع ملكهم إيوان (٢) فحاصروا خلاط فضاق بهم ذرعًا، وقدر الله عز وجل أن في يوم الإثنين تاسع عشر ربيع الآخر اشتد حصارهم للبلد، وأقبل ملكهم إيواني وهو راكب على جواده، وهو سكران، فسقط به جواده في بعض الحفر التي عُملت مكيدة حول البلد، فبادر إليه رجال من البلد فأخذوه أسيرًا حقيرًا، فأسقط في أيدي الكرج. فلما أوقف بين يدي الملك الأوحد أطلقه وَمَنَّ عليه وأكرمه وأحسن إليه، وفاداه على مائتي (٣) ألف دينار وألفي أسير من المسلمين، وتسليم إحدى وعشرين قلعة متاخمة لبلاد الأوحد. وأن يزوج ابنته من أخيه الملك الأشرف موسى وأن يكونوا عونًا له على مَنْ حاربه. فأجابه إلى ذلك كله، وأُخذَتْ الأيمان منه بذلك.

فبعث الأوحد إلى أبيه العادل يستأذنه في ذلك كله، والعادل نازل بأرض حران - كما ذكرنا - وهو في أشد حيرة فيما قد دهمه من الأمر الفظيع، فبينما هو كذلك إذ أتاه هذا الأمر الهائل والتدبير من عزيز حكيم لم يكن في باله ولا في حسابه، فكاد يذهل فرحًا وسرورًا، وأجاز جميع ما فعله ولده.

وطارت الأخبار بما وقع بين الملوك، فخضعوا وذُلوا كما ذكرنا الآن. ووفي ملك الكرج للملك الأوحد بجميع ما شارطه عليه، وتزوج الأشرف بابنته. وقال أبو شامة (٤): وخفت الكرج على خلاط بين الصلاتين من يوم الإثنين تاسع عشر ربيع الآخر، وقدر الله وقوع مقدمهم إيواني بفرسه في حفرة بالربض وهو سكران فأُخِذَ أسيرًا، وعَرَفَه ياقوت الخادم الملطى فحمله إلى الأوحد، فأكرمه وخلع عليه، وأمر الكرج بالرحيل عن خلاط فرحلوا من ساعتهم نحو بلادهم، ولم يجسروا على مخالفته، ولا تعرضوا لقرية من عملها


(١) ورد هذا الخبر في البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ٦٢؛ الذيل على الروضتين، ص ٧٥.
(٢) "إيواي" في الذيل على الروضتين، ص ٧٥. وهكذا كلما تكرر الاسم.
(٣) "ثمانين" في الذيل على الروضتين، ص ٧٥.
(٤) انظر: الذيل على الروضتين، ص ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>