للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أثناء ذلك الأخبار تتواتر من جانب الإفرنج بعمارة يافا، وأن كل وقت يجري بينهم وبين اليزك وقعات.

قال قاضي القضاة بهاء الدين: ولم يزل التخريب والتحريق يعملان في عسقلان وأسوارها إلى سلخ شعبان من هذه السنة، وكانت عظيمة البناء بحيث أن بعض سوره كان عرضه تسعة أذرع، وفي مواضع عشرة أذرع، وذكر بعض الحجارين للسلطان - وأنا حاضرٌ - أن عرض السور الذي ينقبون فيه مقدار رمح. قال القاضي: ووصل في أثناء ذلك جرديك بكتاب فيه أن الإفرنج قد تفسحوا وصاروا يخرجون من يافا ويغيرون على البلاد القريبة منها، فلو تحرك السلطان لعله يبلغ عرضه منهم في غِرّتهم، فعزم السلطان على الرحيل، وعلى أن يُخَلِّف حجارين في عسقلان. ومعهم مَنْ يحميهم حتى يستقصوا في التخريب. ثم رأى أن يتأخر إلى أن يحرق البُرج المعروف بالإستبار، وكان برجًا مشرقًا على البحر كالقلعة المنيعة.

ثم أصبح السلطان يوم الاثنين مستهل رمضان من هذه السنة، أمر ولده الملك الأفضل أن يُباشر ذلك بنفسه وخواصه. قال القاضي: ولقد رأيته يحمل الخشب هو وخواصه لتحريق البرج، ولم يزل الناس ينقلون الأخشاب ويحشونها في البرج حتى أمتلأ، ثم أطلقت فيها النار، وبقيت النار تشتعل فيها يومين وليلتين.

ثم (١) رحل السلطان ليلة الثلاثاء الثاني من رمضان من نصف الليل، ووصل إلى يُبْنَي ضحوة نهار الثلاثاء، ونزل في خيمة أخيه الملك العادل واستخبر منه الأخبار، ثم قام ونزل في خيمته، [١٢٦] وبات تلك الليلة في تلك المنزلة.

[ذكر رحيل السلطان إلى الرملة]

ولما أصبح السلطان يوم الأربعاء الثالث من رمضان (٢)، رحل إلى جهة الرملة، فسار حتى أتاها ضحوة النهار ونزل بالثقل الكبير هناك نزول إقامة، ورتب العسكر ميمنة وميسرة وقلبًا، ومد السماط للناس، ثم أخذ بعض راحة. ثم ركب بين الصلاتين (٣) وسار إلى لدّ، فرآها ورأى بيعتها وعِظَم بنائها، فأمر بتخريبها وتخريب قلعة الرملة أيضًا، ووقع


(١) انظر: النوادر السلطانية، ص ١٨٩.
(٢) انظر تفاصيل تلك الخبر في الروضتين، جـ ٢، ص ١٩٢؛ الكامل، جـ ١٠، ص ٢٠٩.
(٣) "الصلوتين" في الأصل. وفي النوادر السلطانية، ص ١٨٩ "صلاتي الظهر والعصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>