للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلا الأموال الكثيرة، وشحنا ما بقى بأيديهم من البلاد كالجزيرة، وسنجار، وغيرها، بالرجال والسلاح والأموال، ولما قارب صلاح الدين الموصل ترك عسكره، وانفرد هو ومظفر الدين وناصر الدين ابن عمه، ومعهم نفر من أعيان دولته، وقربوا من البلد، فرأى ماهاله من عظم البلد، ورأى السور قد مُلئ من الرجال، وليس فيه شُرافة إلا وعليها مقاتل سوى من عليه من عامة البلد، فعلم أنه لا يقدر عليه، وأنه متى نازله وعاد عنه انكسر ناموسه، ثم رجع إلى معسكره وصبح البلد، فنازله وضايقه، ونزل محاذيا باب كندة، وأنزل صاحب الحصن بباب الجسر، وأنزل أخاه تاج الملوك عند الباب العمادى، وأنشب القتال، فلم يظفر، وأقام أياما ولم ينل منها شيئاً.

[٢٢٤ ظ] وترددت الرسل إلى عز الدين مسعود ومجاهد الدين في الصلح، فطلب عز الدين إعادة البلاد التى أخذت منهم، فأجاب صلاح الدين إلى ذلك بشرط تسليم حلب إليه، فامتنع عز الدين ومجاهد الدين، ولم ينتظم صلح ولا تم أمره، فلما رأى صلاح الدين أنه لا ينال من الموصل غرضا، وأن من بسنجار من العساكر الموصلية يقطعون طريق من يقصده من عساكره وأصحابه، سار عن الموصل إليها، وسنذكر ما جرى بعد ذلك في السنة الآتية إن شاء الله تعالى (١).

[ذكر بقية الحوادث]

منها أن البرنس صاحب الكرك، عليه اللعنة، عمل مراكب في بحر القلزم؛ ليقطعوا الطريق على التجار والحجاج، وذلك لما عجز عن إيصال المسلمين الأذى في البر، فوصلت أذيتهم إلى عيذاب، وخاف أهل المدنية النبوية من شرهم، فأمر العادل أبو بكر ابن أيوب - أخو صلاح الدين - نائب مصر، الأمير حسام الدين لؤلؤ صاحب الأسطول، أن يعمل مراكب في بحر القلزم، لمحاربة برنس، ففعل ذلك، فظفروا بهم في كل موطن، قتلوا منهم وحرّقوا وغرّقوا وسبوا وقهروا وأسروا في مواطن كثيرة ومواقف هائلة، وأمن البر والبحر بإذن الله (٢). وأرسل صلاح الدين إلى أخيه العادل أبى بكر يشكر من مساعيه، وأرسل إلى ديوان الخليفة يعرفهم بما أنعم الله به عليهم من الفتوحات برًا وبحرًا.


(١) أورد ابن الأثير هذه الأحداث بالتفصيل في الكامل، جـ ١٠، ص ١١٤ - ١١٥.
(٢) ورد هذا النص بتصرف في الكامل، جـ ١٠، ص ١١٧ - ١١٨؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٣٢؛ الروضتين، جـ ٢ ق ١، ص ١١٣ - ١١٤؛ مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>