للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجليد، فعبروا وأخذوا في السير، وكان دوشي خان قد ظفر بابن (١) كشلوخان الذي استولى على كاشغر وغيرها، وقتله وقتل خلقا كثيرا من الخطا، وعاد ولقى في طريقه طلائع خوارزم شاه، ولما بلغ دوشي خان ذلك علم أنه لا طاقة له بمقاتلة السلطان خوارزم شاه، فأرسل إليه يعتذر ويقول له: إني قد كفيت ما أنت اهتممت به وقتلت عدو السلطان، وهذا رأسه معي وغنائمهم في صحبتي، فإن أراد السلطان أرسلها إليه، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه، وقال لرسله: إن الله تعالى أمرني بقتال المشركين كافة ولا فرق عندي بينك وبين ابن (٢) كشلوخان لاشتراككم في الكفر والشرك، وتقدم السلطان للقائهم (٣)، فآخر الأمر تلاقيا، وحمل دوشي خان بن جنكيزخان على ميسرة السلطان فكسرها، وكادت الهزيمة تستمر بالسلطان، لولا تحمل ميمنته على ميسرة دوشي خان، وتفرق الفريقان، ولم يعلم الغالب من المغلوب، ولكنهم على ميعاد الحرب من غد، وأشعل (٤) عسكر دوشي خان في تلك الليلة نيرانا كثيرة، مظهرين بأنهم ثابتون، وعلى نية الحرب بايتون، ثم ركبوا في أثناء الليل، فقطعوا مسافة بعيدة مديدة في تلك الليلة، ولما علم السلطان بذلك عاد إلى بلاده ونزل بسِمرقند (٥). ثم بعد ذلك لم تزل الحروب قائمة بين عسكر جنكيزخان وبين عسكر السلطان خوارزم شاه، ثم من بعده بينهم وبين عسكر جلال الدين بن خوارزم شاه على ما ذكرناه في السنين المتقدمة، وإلى الآن الحروب قائمة والفتن منتشرة.

[(الثاني) في سيرة جنكيزخان وأموره]

ومن سيرته أنه لما عظم شأنه وملك تلك البلاد وضع للتتار الياساق (٦)، وهي التي يتحاكمون إليها ويحكمون بها ولا يخرجون عنها، وأكثرها تخالف شرائع الله عز وجل


(١) "قد ظفر بكشلوخان" كذا في سيرة منكبرتي، ص ٤٦.
(٢) "وبين كورخان وكشلوخان" كذا في سيرة منكبرتي، ص ٤٨.
(٣) "للتقاهم" كذا في الأصل، والصحيح ما أثبتناه لاستقامة المعنى.
(٤) "واشعلت" كذا في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.
(٥) وردت هذه الأحداث في سيرة منكبرتي، ص ٤٦ - ص ٦٨، في أحداث عام ٦١٢ هـ.
(٦) الياساق: وتسمى أيضا الآسه أو الباسا أو اليسق وهي مجموعة الشرائع المغولية التي وضعها جنكيزخان لتنظيم نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك بين المغول واشتهرت البأسا بقسوة أحكامها ومنها:
قتل الزاني، وقتل التاجر الذي يخسر في بضاعته بعد المرة الثالثة، وقتل من يأوي أسرى الحرب دون إذن ومن يقصر في معاونة زميله أثناء الحرب، ونص أيضا على احترام الفقراء والعلماء ورجال الدين على اختلاف أديانهم، وساوي بين جميع أفراد الشعب، وحرم عيهم منح الألقاب، كما نظم الجيش والبريد.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ١٢، حاشية (١)؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ٣٧، حاشية (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>