للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم أوقدوا تلك الليلة نيراناً عظيمة في خيامهم (١)، وبلى الثغر منه بلاء لا يشبه ما قبله فعند ذلك حركت الكوسات (٢) في البلد، وكانت علامة بينهم وبين السلطان، فحرك السلطان أيضاً كوساته، واقترب من البلد ليشغلهم عنه، وقد أحاطوا به من كل مكان ونصبوا عليه سبع مجانيق وهى تضرب البلد [١١٠] ليلاً ونهاراً، ولاسيما على برج من جهة البر، حتى أثرت فيه أثراً بيناً. وشرعوا في ردم الخندق، بما أمكنهم من دواب ميتة ومن قتل منهم ومن مات أيضاً. وقاتلهم أهل البلد وهم ينقلون ما ألقوا فيه إلى البحر (٣).

[ذكر ما جرى على البطسة الإسلامية]

ولما كان السادس عشر من جمادى الأولى من هذه السنة، وصلت بطسة عظيمة للمسلمين من بيروت، مشحونة بالآلات والأسلحة، والمير والرجال، والأبطال المقاتلة وكان السلطان قد أمر بتعبئتها في بيروت وتسييرها، ووضع فيها من المقاتلة خلقاً عظيماً، حتى تدخل البلد مراغمة للعدو، وكانت عدة رجالها ستمائة وخمسين (٤) رجلاً، فاعترضها ملك الإنكتار اللعين في عدة [شوان] (٥). وكان الملعون واقفاً في البحر في أربعين مركباً لا يترك شيئاً يصل إلى البلد بالكلية، فاحتاطوا بتلك البطسة من جميع جوانبها، واشتدوا في قتالها.

وجرى القضاء والقدر بأن وقف الهواء، فقاتلوا قتالاً شديدًا، وقتل من العدوّ خلق عظيم، وأحرقوا من شوانيهم شينياً كبيراً فيه خلق كثير، فهلكوا عن آخرهم، وتكاثروا على أهل البطسة، وكان مقدمهم رجلاً جيداً شجاعاً مجرباً في الحرب. فلما رأى أمارات الغلبة عليهم، ورأى أنهم لابد أن يقتلوا، قال: "والله لا نُقْتَل في أيديهم ولا نموت إلا عن عز، ولا نسلم إليهم من هذه البطسة شيئاً". فوقعوا في البطسة من جوانبها


(١) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٦١؛ الفتح القسى، ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٢) الكوسات مفرد كوسه، من رسوم السلطان وآلاته، وهى صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير، يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص، ويتولى ذلك الكوسى. انظر: صبح الأعشى، جـ ٤، ص ٩، ١٣.
(٣) ورد هذا النص بتصرف في البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٤٢؛ النوادر السلطانية، ص ١٦١؛ الفتح القسى، ص ٤٨٤ - ٤٨٥؛ النويرى: نهاية الأرب، جـ ٢٨، ص ٤٣١ - ٤٣٢.
(٤) اختلفت المصادر في ذكر عدد رجال البطسة: "سبعمائة" في الفتح القسى، ص ٤٨٦؛ الكامل، جـ ١٠، ص ٢٠٤. "ستمائة مقاتل" في البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٤٢.
(٥) "شوانى" في الأصل. والمثبت هو الأصح لغة، وهو كما في النوادر السلطانية، ص ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>