للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسع سنين في الوقعة، وقتل (١) بين يدي جنكيزخان. ولما جاء جلال الدين إلى حافة ماء السند كسيرا رأى والدته وحرمه يصحن بأعلى (٢) صوتهن: بالله عليك اقتلنا، والقتل أحب إلينا من الأسر في أيدي هؤلاء الكفار. فأمر بضرب رقابهن وألقى (٣) بهن في الماء، وهذا من أعظم المصائب والبلايا، وأشد المحن والرزايا. وأما عسكر جلال الدين تشتتوا وتفرقوا، فإن عسكر جنكيزخان تتبعوهم ولقطوهم من الأودية ورؤوس (٤) الجبال وبطون الغابات، وتحصن أعظم ملك بقلعة دروذة، فحوصرت إلى أن أخذ، فضرب رقبته، ورقاب خلق كثير من الذين حصلوهم. وقال أبو الفتح المنشئ: حدثني ضياء الملك علاء الدين محمد بن مودود العارض النسوي قال: أهويت بنفسي إلى الماء ولا أعرف السباحة، فغطست وأشرفت على الهلاك، فإذا أنا بصبي ومعه زق منفوخ، فمددت يدي وهممت بتغريقه وأخذ الزق منه، فقال: إن كنت ترضى بخلاصك دون هلاكي شاركني فيه أوصلك إلى الساحل. ففعلت وسلمنا، وقد طلبته بعد ذلك أشد طلب لأجَازيه على صنيعه، فلم أجده على قلة عدد الناجين (٥).

[ذكر عبور جلال الدين ماء السند]

ولما وصل جلال الدين إلى حافة ماء السند وقد سدت دونه المهارب، وبين يديه تيار النهر الغالب رفس فرسه في الماء وهو لابس عدته، فعبر به الفرس في ذلك الماء الذي هو كالبحر العظيم وتياره أشد من الريح العقيم، فلطف الله عز وجل به إلى أن أرماه إلى ذلك [٤٣٠] الجانب، وقد تخلص أيضا من عسكره أربعة آلاف رجل حفاة عراة، وفيهم ثلاثمائة (٦) فارس، ولا يدرون ما حال جلال الدين؟ هل هو تخلص أم غرق؟ وكان جلال الدين قد رماه الموج ومعه ثلاثة من مماليكه وهم: قلبرس بهادر، وقانقج، وسعد الدين على الشربدار (٧). ثم إنهم تلاقوا بعد ثلاثة أيام، وأتخذوا يوم ملاقاتهم عيدًا وظنوا


(١) "ووسط" كذا في الأصل، والمثبت من سيرة منكبرتي، ص ١٢٩: حيث يتفق مع المعنى.
(٢) "بأعلا" كذا في الأصل، والمثبت هو الصحيح لغة.
(٣) "وألقا" كذا في الأصل، والمثبت هو الصحيح لغة.
(٤) "ورؤس" كذا في الأصل، والمثبت هو الصحيح لغة.
(٥) لمعرفة المزيد عن هذه الأحداث. انظر: سيرة جلال الدين منكبرتي، ص ١٥٨، ص ١٥٩.
(٦) "ثلثمائة" كذا في الأصل، والصحيح ما أثبتناه من سيرة منكبرتي، ص ١٦٠.
(٧) الشربدار: المقصود بها الخدمة بشرابخاناه السلطان أو الأمير.
انظر: صبح الأعشى، ج ٥، ص ٤٥٤، ص ٤٦٧، ص ٤٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>