للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم أنشئوا خلقا جديدا، وليس عندهم شيء يؤكل ولا شيء يلبس، وكان في زردخانة (١) جلال الدين شخص يعرف بجمال الزّراد، وكان قد جمع شيئا كثيرا من المأكول والملبوس بعد الوقعة، ولم يظفر به أحد فحماه الله تعالى بلطفه حتى حصل مركبا وملأه من ذلك، وعبر إلى ذلك الجانب، وجلال الدين ومن معه حائرون ثائرون، وليس عندهم شيء فإذا بجمال الزراد قد جاء إليه بالمركب المشحون بالخيرات، فوقع هذا عند جلال الدين في موقع عظيم، ففي الحال ولاه الأستاذ دارية، ولقبه باختيار الدين، وكان هناك ملك اسمه شنطره (٢) سمع بخبر جلال الدين وأنه خلص من الأسر والغرق، وأنه في عدد يسير قام وجمع ألف فارس وخمسة آلاف راجل ليستأصل جلال الدين، وبلغ خبره لجلال الدين، ورأى الموت قد جاءه من كل جهة وليس معه إلا نفر يسير، وغالبتهم جرحي بلا استعداد، وتحقق أن الهنود إذا ظفروا بهم يقتلونهم بأشد قتله، واتفقوا على أن يعبروا النهر أيضا ويختفوا في بعض الآجام المختلفة، ويعيشوا بما تنال أيديهم من الغارات، فحين تآمروا على ذلك وتوجهوا صوب مقصدهم، وتأخر عنهم جلال الدين بمن معه من أصحاب الخيل على رسم اليزك (٣)، فإذا براية شنطرة تحتها عسكره، فحرض جلال الدين أصحابه، وقال: لا ينجينا إلا الثبات، والنصر من الله تعالى. فوقف إلى أن جاؤوا بقضهم وقضيضهم، فعند ذلك تقدم جلال الدين وأوتر قوسه ورمي صوب شنطره، فأصابت نشابته بإذن الله صدر شنطره، وهتكت حجاب قلبه، فخر ميتا، وانهزم عسكره، وتقوي جلال الدين ومن معه بخيلهم وسلبهم (٤).

وكان هنا ملك آخر يسمى قباجه، وله نائب في بلدة، يسمى قمر الدين، ولما سمع بذلك تقرب إلى جلال الدين، وقدم له دهليزا وغيره، فوقع ذلك منه موقعا مشكورا محمودا (٥).


(١) الزردخاناه: دار السلاح، وهي كلمة فارسية مركبة، أطلقها المقريزي على السلاح نفسه، ومن معاني الزردخاناه السجن المخصص للمجرمين من الأمراء وأصحاب الرتب.
انظر: المقريزي، السلوك، ج ١ ق ٢، ص ٣٠٦، حاشية (١).
(٢) "شنطرة": كذا في الأصل، أما في سيرة جلال الدين منكبرتي "زانه شتره" وهو صاحب جبل الجودي. انظر: ص ١٦١.
(٣) اليزك: لفظ فارسي معناء الطلائع. انظر: مصطلحات صبح الأعشى، ج ١٥، ص ٣٦٤.
(٤) لمعرفة المزيد عن هذه الأحداث. انظر: سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي، ص ١٦٠ ص ١٦٢.
(٥) انظر: سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي، ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>