للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر الحرب بين السلطان صلاح الدين وبين غازي ابن مودود (١) صاحب الموصل

وأصل ذلك أن غازي هذا -الذي هو ابن أخي نور الدين- كتب إلى جماعة الحلبيين يلومهم على ما وقع بينهم وبين السلطان صلاح الدين من المصالحة، وأرسل رسولًا إلى صلاح الدين، ودفع له كتابين، أحدهما: إلى صلاح الدين؛ ليأخذ منه عهدًا للمواصلة، ويكشف ما عنده. والكتاب الثاني: إلى الحلبيين؛ يلومهم "فيه" (٢) على الصلح، ويخبرهم أنه واصل بعساكر الشرق. ولما دخل الرسول على صلاح الدين غلط ودفع كتاب الحلبيين إليه، وذلك لسعادة صلاح الدين، فتأمله صلاح الدين وعلم أن الرسول غلط، فلم يقل له شيئًا، وفهم الرسول فقام وخرج من عنده، ولم يمكنه الاستدراك (٣). وكتب صلاح الدين إلى مصر -إلى أخيه الملك العادل أبي بكر- بتجهيز العساكر المصرية إلى الشام سرعة. وجمع غازي العساكر من الجزيرة، وكان أخوه عماد الدين زنكي صاحب سنجار عاصيًا عليه، مائلًا لصلاح الدين، فصالحه، وكان أخوه عز الدين مسعود وعسكره انهزموا في العام الماضي لما التقوا بصلاح الدين كما ذكرنا، فصالح غازي مع أخويه المذكورين، وجمع عساكره وأنفق فيهم، واستنجد أيضًا بصاحب حصن كيفا وصاحب ماردين، فاجتمع معه عسكر كثير عدته ستة آلاف فارس، وسار إلى نصيبين في ربيع الأول، وأقام بها حتى انقضى الشتاء، فضجر العسكر وفنيت نفقاتهم، فصار العود إلى بيوتهم مع الهزيمة أحب إليهم من الظفر. ثم سار غازي وقطع الفرات ونزل عليه، وبعث إلى أمراء حلب وكمشتكين الخادم، وتقرر بينهم الأمر، ثم سار إلى حلب، والتقاه الملك الصالح بن نور الدين، فاعتنقه سيف الدين غازي. وبكي، ونزل بظاهر حلب بعين المباركة (٤)، وصعد القلعة جريدة، وكان أمراء حلب يركبون كل يوم إلى خدمته.


(١) غازي بن مودود: هو سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن أتابك الشهيد زنكي توفي سنة ٥٧٦ هـ/ ١١٨٧ م. انظر: التاريخ الباهر، ص ١٨٠؛ الشذرات، ج ٤، ص ٢٥٧.
(٢) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٣) ورد هذا النص بتصرف في الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٤٧ - ٦٤٨؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢١٠؛ سنا البرق، ص ٩٠ - ٩١.
(٤) عين المباركة: ذكرها ابن الشحنة في الدر المنتخب، ص ٢٥٥، وقال إنها في جملة متنزهات حلب. انظر أيضًا: زبدة الحلب، ج ٣، ص ٢٥، حاشية ٢؛ مفرج الكروب، ج ٣، ص ١٦٧. حيث يذكر ابن واصل أن "عين المباركة على باب حلب".

<<  <  ج: ص:  >  >>