للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال: إن الأخوين خرجا من تكريت في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتشاءموا به وتطيروا منه، فقال بعضهم: لعل فيه الخيرة وما تعلمون. فكان كما قال ويقال ما خرجا من تكريت إلا - بعد ولادة صلاح الدين مدة يسيرة، أما في بقية السنة التي ولد فيها صلاح الدين أو في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة والله أعلم.

[الثالث في بيان منشأه]

ولم يزل صلاح الدين في كنف أبيه حتى ترعرع، ولما ملك نور الدين محمود الشهيد بن عماد الدين زنكي دمشق في التاريخ الذي ذكرناه، لازم نجم الدين أيوب خدمته، وكذلك ولده صلاح الدين يوسف، وكانت مخايل السعادة عليه لائحة، والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة، ونور الدين الشهيد يرى له ويؤثره، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمر الجهاد، حتى تجهز مع عمه شيركوه إلى الديار المصرية كما ذكرناه مفصلاً، ثم لم يزل يتقلب به الحال إلى أن صار سلطانًا، وخطب باسمه في الديار المصرية والشامية والفراتية وأرض اليمن ومكة والمدينة، ولم يزل مرابطاً مجاهداً في سبيل الله عز وجل حتى أتاه اليقين (١).

[الرابع في سيرته]

قال العماد (٢) وغيره: قد كان السلطان صلاح الدين متشرعاً في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه، فلا يلبس إلا الكتان والقطن والصوف، ولا يعرف أنه تخطى مكروهاً بعد أن أنعم الله عليه بالملك، بل كان همه الأكبر ومقصوده الأعظم نصر الإسلام وكسر الأعداء اللئام، ويعمل فكره في ذلك وآراءه وحده ومع من يثق برأيه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً، هذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل والفوائد الفرائد في اللغة والأدب وأيام الناس حتى قيل: إنه كان يحفظ الحماسة بتمامها وكان مواظباً على الصلوات [الخمس] (٣) في أوقاتها في جماعة، ويقال: إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل حتى في مرض موته، كان يدخل الإمام فيصلي به، ويتجشم القيام مع ضعفه، وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة، ويشارك في ذلك مشاركة


(١) نقل العينى هذا النص بتصرف من وفيات الأعيان، ج ٧، ص ١٤٥.
(٢) نقل العيني هذا النص بتصرف من الفتح القسى، ص ١٥٦ - ص ٦٦٠.
(٣) "الخمسة" كذا في الأصل، والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>