للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل فيما وقع من الحوادث في السنة الثانية والثمانين بعد الخمسمائة (*)

استهلت هذه السنة والخليفة هو الناصر لدين الله، والسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - صاحب مصر والشام وغيرهما - كان قد تعافى من مرضه ووجد نشاطًا، ورحل من البلاد الفراتية ووصل إلى حلب يوم الأحد الرابع عشر من محرم هذه السنة (١). وكان يومًا مشهودًا لشدة فرح الناس بعافيته ولقائه، فأقام بها أربعة أيام، ثم رحل في ثامن عشر المحرم نحو دمشق. فلقيه أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه بتل السلطان (٢)، ومعه أخته ومعه هدية هائلة، ومَنَّ عليه بحمص. فقام أيامًا يَعْتبر تركة أبيه، وكان قد خَلَّفَ أموالًا عظيمة وجواهر، ومناطق الذهب والفضة، فكان مبلغ التركة ألف ألف دينار. وكان القاضي نجم الدين بن عيسى حاضر القسمة، فقام يومًا فوقعت من تحت ذيله منطقة مجوهرة، فنسبه العادل إلى ما لا يليق به. وكان نجم الدين منزهًا عن ذلك لأنه كان غنيًا جوادًا شريف النفس، فحلف للعادل إنني ما علمت بها، وصدق، وإنما الحُساد وجدوا طريقًا للقول (٣).

ثم سار يطلب جهة دمشق، وكان دخوله إليها في ثاني ربيع الأول، وكان يومًا لم ير مثله فرحًا وسرورًا، ثم قرر في ملك دمشق ولده الأفضل عليا. ونزل العادل أبو بكر عن حلب لصهره زوج ابنته الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين، وأرسل السلطان أخاه العادل صحبة ولده عماد الدين عثمان، الملقب بالملك العزيز، على ملك مصر، ويكون العادل أتابكه، وله إقطاع عظيمة جدًا. وعزل عن نيابتها تقي الدين عمرُ، فعزم عمر على الدخول إلى بلاد إفريقية، فلم يزل السلطان يكاتبه ويتلطف به ويترقق له حتى أقبل بجنوده نحوه، فأكرمه وأقطعه حماة وبلادًا كثيرة معها، وقد كانت له قبل ذلك بسنين، وزاده على ذلك مدينة ميافارقين (٤).


(*) يوافق أولها ٢٦ مارس ١١٨٦ م.
(١) انظر زبدة الحلب، ج ٣، ص ٨٤.
(٢) تل السلطان: موضع بينه وبين حلب مرحلة نحو دمشق - انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٨٦٧ ..
(٣) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٤٨.
(٤) ورد هذا النص بتصرف في الكامل، ج ١٠، ص ١٣٩ - ص ١٤٠؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٤٠، الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ٢٢٩ - ص ٢٣٠؛ المقريزي: السلوك، ج ١ ق ١، ص ٩١ - ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>