للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحسان، بل لما عوفى عاد إلى شر مما كان عليه، واشتد الحصار ليلاً ونهاراً (١)، وأرسل مَنْ بالبلد يقولون: "إن لم تعملوا معنا شيئاً غداً، وإلا طلبنا من الإفرنج أماناً"، فشق ذلك على السلطان أمراً عظيماً، وذلك لأنه قد سَيّر إليها أسلحة الشام والديار المصرية وسائر السواحل، وما كان من غنيمة وقعة حطين، ومن بيت المقدس وهى مشحونة بذلك، فعزم السلطان على مهاجمة العدوّ. فلما أصبح ركب في جيشه، وهذه هى الوقعة الخامسة، ورأى السلطان أن الإفرنج قد ركبوا من وراء خندقهم، والرجالة منهم قد ضربوا سوراً حول الفرسان وهم قطعة من حديد لا ينفذها شيء، فأحجم عنهم لما يعلم من نكول جيشه، ولكنه ما رجع إلا عن قتال إلى أن حجز الليل (٢).

ذِكرُ قدُوم بقية عسكر المسلمين

ولما كان يوم الثلاثاء (٣) سلخ جمادى الأولى، قدم من عسكر سنجار مقدّمهم مجاهد الدين بُرُنقش (٤)، فلقيه السلطان، فاحترمه وأكرمه، وكان ديناً عاقلاً محباً للغزو. وأنزله السلطان في الميسرة، وذلك بعد أن أنزله في خيمته، وفرح بقدومه فرحاً شديدًا، ثم قدم بعد ذلك قطعة عظيمة من عسكر مصر وفيهم: علم الدين كُرجى، وسيف [١١٣] الدين سنقر (٥) الدوادار. ثم قدم بعد ذلك علاء الدين ابن صاحب الموصل في عسكرهم، فلقيه السلطان بالخروبة، ونزلوا هناك إلى بكرة الغد من اليوم الثانى من شهر جمادى الأخرى، ثم أصبح سائراً حتى أتى بجحفله قبالة العدوّ، [فعرض] (٦) عسكره هناك، وأنزله السلطان في خيمته، وحمل له من التحف ما يليق بكرمه، وأنزله في الميمنة. وفى يوم الجمعة ثالث جمادى الأخرى (٧) قدمت طائفة من عسكر مصر أيضاً، واشتد مرض ملك الإنكتار بحيث شغل الفرنج مرضه، وكان ذلك جبراً عظيماً ولطفاً جسيماً من الله تعالى، فإن البلد ضعف من كان فيه ضعفاً عظيماً، واشتد بهم الخناق


(١) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٦٥ - ١٦٦؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٥٥؛ نهاية الأرب، جـ ٢٨، ص ٤٣١ - ٤٣٢.
(٢) البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٤٣؛ النوادر السلطانية، ١٦٥ - ١٦٦.
(٣) "يوم الاثنين" في الفتح القسى، ص ٤٩٥.
(٤) "مجاهد الدين يرنقش" في النوادر السلطانية، ص ١٦٤؛ الفتح القسى، ص ٤٩٥.
(٥) "سيف الدين سنقر الدورى" في الفتح القسى، ص ٤٩٥، الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٦.
(٦) "فأعرض" كذا في الأصل والتصحيح من النوادر السلطانية، ص ١٦٤.
(٧) "يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة" في الفتح القسى، ص ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>