للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عادت الهدنة كما كانت. فقصد هذا الملك وجملة الفرنج معه مدينة حماة، وصاحبها شهاب الدين مريض، ونائب دمشق ومن معه من الأمراء مشغولون بلذاتهم (١)، فكادوا يأخذون البلد، ولكن هزمهم الله تعالى بعد أربعة أيام، فانصرفوا إلى حارم، فلم يتمكنوا من أخذه، وكشفهم عنه الملك الصالح صاحب حلب، وقد دفع إليهم من الأموال والأسارى ما طلبه الكفرة النصارى. وقال العماد (٢) أيضًا: ووصل في هذه السنة إلى الساحل من البحر كند كبير، يقال له أقلندس (٣). أكبر طواغيت الكفر. قلتُ: هذا هو الذي ذكرناه الآن، الذي جرى منه ما جرى.

ذكرُ توجه صلاح الدين إلى الشام

لما سمع السلطان بنزول الفرنج على حارم برز من الديار المصرية قاصدًا إلى بلاد الشام؛ لغزو الفرنج ونزل في البركة (٤) حتى خرجت العساكر، ورحل من البركة يوم عيد الفطر بعساكره، ووصل إلى أيلة في عاشر الشهر، واستناب بمصر أخاه الملك العادل، وأقام بها أيضا القاضي الفاضل بنيَّة الحج، وسافر العماد معه.

ووصل السلطان إلى دمشق في الرابع والعشرين من شوال (٥)، وبها أخوه شمس الدولة مشغولًا بلذاته ولهوه، وكان قد بعث إلى الفرنج بمال مُصَانَعة، فعز على صلاح الدين ولامه وقبح فعله، وقال: أنت مشغول باللعب وتُضيع أموال المسلمين، وأقام صلاح الدين في دمشق.


(١) "بذاتهم" في الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٧٠٦؛ كذلك ورد في الكامل، جـ ١٠، ص ٨٦ "الانهماك في اللذات".
(٢) انظر، الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٧٠٦، حيث ينقل عن العماد.
(٣) هو Philip of Flanders وكان قد قدم للتعاون مع Manuel Comnenus إمبراطور بيزنطة، وأصحاب الإمارات اللاتينية، في مهاجمة مصر. وفشل هذا الهجوم كفكرة بسبب النزاع حول الوصاية على ملك القدس الطفل Baldwin V ، فتحولت الحملة بعد انصراف البيزنطيين عنها إلى هجوم محلي على حماة، ثم على حارم. انظر: الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٧٠٦ حاشية ٢؛ راجع أيضًا The Crusaders In The East،pp. ٢١٤ - ٢١٦.
(٤) المقصود بالبركة هنا: بركة الحجاج وتقع في الجهة البحرية من القاهرة وقد عرفت أولًا "بجب عميرة" ثم قيل لها "أرض الجب" ثم عرفت إلى زمن المقريزي "ببركة الحاج" من أجل نزول حجاج البر بها عند مسيرهم من القاهرة. انظر: الخطط، جـ ٢، ص ١٦٣.
(٥) أورد أبو شامة هذه الرواية بتصرف في الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٧٠٧ - ٧٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>