للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركب جماعة من الشجعان على الخيول الجياد وناوشوا العدو و باسطوه، فلم يخرج في ذلك اليوم أحد، وكأنه كان قد وشى إليهم بجلية الأمر. إلا أنه حصل في ذلك اليوم نوع نصرة للمسلمين، فإنه وصل في أثناء ذلك اليوم خمسة وأربعون نفراً من أسارى الإفرنج، فإنهم كانوا قد أسروا في بيروت وسُيّروا إلى السلطان -رحمه الله -.

قال قاضى القضاة بهاء الدين -رحمه الله: ولقد شاهدتُ من السلطان في ذلك اليوم رقة قلب ورحمة لم يُر أعظم منها؛ وذلك أنه كان في الأسرى شيخ كبير طاعن في السن، لم يبق في فمه ضِرس، ولا له قوة إلا مقدار ما يتحرك بها لا غير، فقال للترجمان: سَلْه ما الذى حمله على المجئ وأنت في هذا السن؟ وكم من هاهنا إلى بلاده؟ فقال: أما بلادى فبينى وبينها مسيرة عدة أشهر، وأما مجيئى فإنما كان للحج إلى القمامة. فَرَقَّ له السلطان ومَنَّ عليه، وأطلقه وأعاده راكباً على فرس إلى عسكر العدو. ولقد سأل من السلطان أولاده الصغار، أن يأذن لهم من قبل في قتل الأسرى، فلم يأذن لهم. قال القاضى بهاء الدين: فسألتُه عن سبب المنع، وكنتُ حاجبهم فيما طلبوه، فقال: لأن (١) لا يعتادوا من الصغر سفك الدماء. ولقد جرت وقعات أخرى في هذه الأيام إلى أن أخذوا عكا من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله (٢).

[ذكر وصول ملك الإفرنسيس]

واسمه فيليب (٣)، وكان وصوله في الثانى عشر (٤) من ربيع الأول يوم السبت في ست بُطْشٍ ملعونة مشحونة بعبدة الصليب، وحين وصل إليهم لم يبق لأحد من ملوكهم حكم، وذلك لعظمته عندهم. وكان الإفرنج كل وقت يتواعدون المسلمين بقدومه، ولاسيما لليزك ومن يقاربهم من المسلمين، وكان هذا الملعون من كبار ملوكهم لا يتقدم عليه أحد.


(١) "لئلا" في النوادر السلطانية، ص ١٥٦؛ الفتح القسى، ص ٤٧١.
(٢) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٥٥ - ١٥٦؛ الفتح القسى، ص ٤٧٠ - ٤٧١؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٢ - ١٨٣.
(٣) الملك فيليب أغسطس ملك فرنسا. انظر: السيد الباز العرينى: الشرق الأوسط والحروب الصليبية، ص ٩٢٢، القاهرة ١٩٦٣ م.
(٤) "الثامن عشر" في الأصل والتصحيح من الفتح القسى، ص ٤٧٤؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٣؛ النويرى: نهاية الأرب، جـ ٢٨، ص ٤٣٠؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>