للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عسكرهم ممتدة من كل ناحية، فحمل المسلمون عليهم حملة صادقةً، فانهزموا إلى تَلّ المصلّبين نحو القبة، وأخلوا ذلك الجانب، وانفتح الطريق إلى عكا من [باب] (١) القلعة المسماة بقلعة الملك إلى باب قراقوش الذى جدده. وصار الطريق مهيعا (٢) يمرّ فيه السوقي ومعه الحوائج، ويمر به الرجل الواحد والمرأة، واليزك بين الطريق وبين العدو.

ودخل السلطان -رحمه الله- في ذلك اليوم عكا، ورقي على السُور، ونظر إلى عسكر العدو، وفرح المسلمون بنصر الله، وخرج العسكر الذين كانوا بها إلى خدمة السلطان، ثم استدار العسكر الإسلامي حول العسكر الإفرنجي، وأحدقوا بهم من كل جانب (٣).

ذِكرُ الوقعة العُظمى

ولما كان يوم الأربعاء العشرين من شعبان (٤) من هذه السنة، برزت الإفرنج بأجمعهم، وضربوا مع السلطان مصافًا، وحملوا على القلب، فأزالوه وأخذوا يقتلون في المسلمين إلى أن بلغوا خيمة السلطان، فانحاز السلطان إلى جانب، وانضاف إلى جماعة، وانقطع مدد الفرنج، واشتغلوا بقتال الميمنة، فصاح السلطان: يآل الإسلام، فركبت الناس بأجمعهم، وحمل السلطان على الفرنج الذين خرقوا القلب، وانعطف عليهم العسكر، فأفنوهم قتلًا، وكان كل واحد من المسلمين قتل أربعين أو خمسين من الفرنج، وكان قتلى الفرنج تقدير عشرة آلاف، ووصل المنهزمون من المسلمين بعضهم إلى طبرية، وبعضهم وصل إلى دمشق، ولم يكن وقف من المسلمين ثابتين غير نحو ألف نفس، فردّت مائة ألف. وجافت الأرض بعد هذه [٧٢] الوقعة من قتلى الفرنج، فلحق السلطان مرض وحدث له قولنج، فأشار عليه الأمراء بالانتقال من ذلك الموضع، فوافقهم ورحل عن عكا رابع عشر رمضان إلى الخروبة، فلما رحل السلطان تمكن الفرنج حينئذ من حصار عكا، وانبسطوا في تلك الأرض، ولم يعلم السلطان أن ذلك كان من


(١) "بين" كذا في الأصل والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٠٦.
(٢) مهيع: واسع. انظر ابن منظور: لسان العرب، مادة "هيع". جـ ١٠، ص ٢٥٨.
(٣) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٠٦؛ الفتح القسى، ص ٣٠٠ - ص ٣٠٣، الروضتين، جـ ٢، ص ١٤٢ - ص ١٤٣.
(٤) اختلفت المصادر في تحديد تاريخ الوقعة، فقد ذكر ابن شداد أن الوقعة حدثت يوم الأربعاء الحادي والعشرون، كما ذكر ابن العديم أن الوقعة حدثت يوم الجمعة الثالث والعشرين، كما يبدو أن العيني هو أقرب إلى الصواب، فهو يتفق في التاريخ مع ابن الأثير والعماد الذي كان شاهد عيان على هذه الوقعة.
انظر النوادر السلطانية، ص ١٠٩؛ زبدة الحلب، جـ ٣، ص ٨٥٧؛ الكامل جـ ١٠، ص ١٨٦؛ الفتح القسى، ص ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>