للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل فيما وقع من الحوادث في السنة الحادية والتسعين بعد الخمسمائة (*)

استهلت هذه السنة، والخليفة هو الناصر لدين الله (١)، وأصحاب البلاد على حالهم، غير أن الملك العزيز صاحب مصر قد توجه إلى الشام وقدمها مرةً ثانيةً، وكان السبب في ذلك أن أمراء دمشق قد تغيرت قلوبهم على الملك الأفضل، ففارقه بعضهم وتوجهوا إلى مصر، وهم: عز الدين أسامة، وعز الدين بن السلّار، وابن الحصين، وغيرهم (٢)، ولما اتصلوا بالملك العزيز حرضوه على قصد دمشق؛ فخرج إليها في قوة عظيمة جدًا، فاستنجد الأفضل عمة العادل، وتوجه إلى أخيه الظاهر بحلب وسأله إنجاده فوعده خيرًا، وجَدّ العادل السَّير إلى دمشق، فسبق العزيز إليها. وكاتب الأمراء المصريين وحذرهم من العزيز، وحذّر العزيز منهم، واستمالهم فمالوا إليه، وفارقوا العزيز، وتوجهوا إلى دمشق وهم: أبو الهيْجاء السّميِن، وإياز (٣) جهارَكس (٤). ولما وصلوا إلى دمشق جدد العادل والأفضل اليمين، وتحالَفَا على أن يكون ثلث ديار مصر له إقطاعًا، والثلثان للأفضل. وساروا طالبين لقاء العزيز، فعاد العزيز مسرعًا إلى مصر (٥)، ثم إن العادل والأفضل أرسلا إلى القدس وتسلماها من نواب العزيز، واتفقا إنهما يسيران إلى مصر ويملك الأفضل مصر، ويعطى العادل دمشق، وأرسل العادل إلى العزيز خفية أن يثبت ولا يُسَلِّم، وإنما أشار إليه بذلك مخافة أن لا يُسَلِّم إليه الأفضل دمشق، ويكفّل أنه يكفيه مؤنة قتال عسكر الأفضل، ولما رجع العزيز إلى مصر جهز عسكرًا ورتبه على بلبيس، ولما وصلها عسكر العادل والأفضل استظهر العزيز عليهم، فندموا على فعلهم،


(*) يوافق أولها ١٦ ديسمبر سنة ١١٩٤ م.
(١) الناصر لدين الله: أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله، أبو المظفر يوسف بن المقتفى أمير المؤمنين العباسي، ولى الخلافة سنة ٥٧٥ هـ، توفي ٦٢٢ هـ. وفيات الأعيان، جـ ١، ص ١٠٩، ص ٣١٨؛ لمزيد من التفاصيل راجع البداية والنهاية، جـ ٧، ص ٧١ - ٧٢، طبعة الغد العربي، ط. الأولى - ١٩٩٢.
(٢) ذكر النويرى الأمراء الذين فارقوا خدمة الأفضل: فارس الدين ميمون القصري، وشمس الدين، وسنقر الكبير، وعز الدين سامة، وغيرهم." نهاية الأرب، جـ ٢٨، ص ٤٤٦.
(٣) إياز: لفظ فارسي، ذكر في الشعر الفارسي بمعني محبوب ومعشوق. راجع، حسين مجيب المصري: المعجم الفارسي العربي الجامع، ص ٤٢.
(٤) جهاركس: أبو المنصور جهاركس بن عبد الله الناصري الصَّلاحي الملقب فخر الدين، كان من كبراء أمراء الدولة الصلاحية، توفي سنة ٦٠٨ هـ بدمشق، ودفن في جبل الصالحية، وجهاركس لفظ عجمي معرب. وفيات الأعيان، جـ ١، ص ٣٨١، ترجمة ١٤٦.
(٥) الروضتين، جـ ٢، ص ٢٢٩ - ص ٢٣٠؛ وانظر تفصيل ذلك أيضًا في مفرج الكروب، جـ ٣، ص ٤٦ - ٤٩؛ نهاية الأرب، جـ ٢، ص ٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>