للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغسل ثياب الملك نور الدين، فأمره أن يكتب مناشير بوضع المكوسات والضرائب عن البلاد، وقال: هذا تفسير رؤياك. وكتب إلى الناس يستحل منهم عما أخذ منهم، ويقول: إنما صُرفت في قتال أعدائكم من الكفرة. وكتب بذلك إلى سائر ممالكهـ وبلدان سلطانه، وأمر الوعاظ أن يستحلوا من التجار لنور الدين، وكان يقول في سجوده: اللهم أنا العشَّار المكَّاس.

[الحادي عشر في تملك ولده الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الملك العادل نور الدين محمود ابن الأتابك زنكي بن آقسنقر]

ولما توفي نور الدين في التاريخ المذكور ملك ولده المذكور دمشق وما معها، بعد أن حلف له الأمراء والمقدمون بدمشق، وكان عمره إحدى عشرة سنة، وأطاعه أهل الشام، وخطب له الناصر صلاح الدين بمصر، وضرب السكة باسمه، وأظهر له الطاعة. وتولي تربيته وتدبير دولته الأمير شمس الدين محمد بن عبد الملك المعروف بابن المقدم (١). وقال له كمال الدين بن الشهرزوري ولمن معه من الأمراء والمقدمين: قد علمتم أن صلاح الدين صاحب مصر من أصحاب الشهيد، والمصلحة أن تشاوره في الذي تفعله، ولا تخرجه من بيننا، فيخرج عن طاعتنا، ويجعل ذلك حجة علينا، وهو أقوى منا؛ لأنه انفرد اليوم بملك مصر. فلم يوافق هذا القول أغراضهم، وخافوا أن يدخل صلاح الدين فيخرجهم، فلم يمض غير قليل حتى وردت كتب صلاح الدين إلى الملك الصالح؛ يعزيه ويهنيه بالملك، وأرسل دنانير مصر عليها اسمه، ويعرفه أن الخطبة والطاعة له (٢) كما كانت لأبيه. ولما سار سيف الدين غازي بن قطب الدين صاحب الموصل إلى الجزيرة، وملك البلاد الجزرية -على ما نذكره- أرسل صلاح الدين يعتب الملك الصالح، حيث لم يعرِّفه قصد سيف الدين ابن عمه بلاده قبل أخذها؛ ليحضر في خدمته ويكفه عنه.


(١) ابن المقدم: هو شمس الدين محمد بن عبد الملك من أعيان أمراء الدولتين وهو الذي سلَّم سنجار إلى نور الدين ثم تملك بعلبك توفي سنة ٥٨٣ هـ/ ١١٨٧ م. انظر: العبر، ج ٤، ص ٢٥٠؛ الدارس، ج ١، ص ٥٩٤.
(٢) ورد هذا الخبر في الكامل، ج ١٠، ص ٥٨؛ التاريخ الباهر، ص ١٦٢؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٠٤؛ الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٩٤ - ٥٩٥؛ انظر أيضا: مفرج الكروب، ج ٢، ص ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>