للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أصدر خدمته هذه وصدره معمور بالولاء، وقلبه مغمور بالصفاء. وذكر كلاماً طويلاً. وأما العادل فإن المشارقة ثاروا عليه واستشاروا عز الدين صاحب الموصل، وأستشار هو أصحابه، فأشار عليه المجد ابن الأثير بالخروج، وأشار عليه مجاهد الدين قايماز بالمقام لتظهر حقائق الأمور، وتراسل جيرانه ابن زين الدين صاحب إربل، وسنجر شاه صاحب الجزيرة، وعماد الدين صاحب سنجار، وخرج عز الدين من الموصل واجتمعا على حران، فاستنجد العادل بأولاد أخيه، فجاءته عساكر الشام ومصر، ومرض عز الدين على نصيبين بالإسهال وترك العساكر مع أخيه عماد الدين، ورجع إلى الموصل جريدة فمات بها على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى. ثم إن الملك العزيز قدم إلى الشام وقدمت معه العساكر على الأفضل، وبعث إليه العادل: ارحل إلى مرج صفر، فرحل وهو مريض، وكان قصد العادل أن يبعده عن البلد ليصل العساكر، فوصل الظاهر من حلب والمنصور من حماة وشيركوه من حمص والأمجد من بعلبك في نجدة، فقال العادل: إنه يرجع إلى مصر ويقع الاتفاق وتعود الأمور إلى ما كانت عليه. واشتد مرض العزيز ولولا مرضه لما صالح. فأرسل العزيز كبراء دولته فخر الدين سركس وغيره فحلف الملوك، وطلب مصاهرة العادل فزوجه ابنته خاتون، ورجع كل واحد إلى بلده وذلك في شعبان (١)، وتمام هذا يأتي في السنة الآتية إن شاء الله تعالى.

وقال العماد الكاتب: ولما انفصلت العساكر عن دمشق شرع الأفضل في اللهو واللعب، واحتجب عن الرعية وانقطع إلى لذاته، وفوض الأمر إلى وزيره الجزري (٢) وحاجبه الجمال محاسن بن العجمي، [١٧٤] فأفسدا عليه الأحوال، وكانا سبباً لزوال دولته واستبدلا بكبراء الأمراء والأجناد أراذل الناس ففسدت أمور العباد (٣).

[الخامس عشر: في من خلفه من الأولاد]

قال العماد الكاتب (٤): خلف السلطان سبعة عشر ولداً ذكراً وابنة صغيرة. الأول: الملك الأفضل نور الدين على، وهو أكبرهم، ولد بمصر سنة خمس وستين وخمسمائة


(١) إلى هنا توقف العيني عن النقل من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٧٧ - ص ٢٨٠.
(٢) الوزير الجزري هو: ضياء الدين نصر الله بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري، توفي سنة ٦٣٧ هـ ببغداد، انظر ترجمته في وفيات الأعيان، جـ ٥، ص ٣٨٩ - ص ٣٩٧.
(٣) بالرغم من أن العيني يذكر أنه ينقل من العماد إلا أنه لم يرد هذا الحدث في الفتح القسى، وإنما ورد في مرآة الزمان، وقد نقله عن بعض كتب العماد، المرآة، جـ ٨، ص ٢٨٠.
(٤) الفتح القسى، ص ٦٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>