للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون الذين دخلوا أسوارهم، فقتلوها وأخذوا قوسها، وحملوه إلى السلطان، فتعجب من ذلك عجباً عظيماً (١). وكذلك كان هناك إفرنجى راجل صعد سور خندقهم، وإلى جانبه جماعة يناولونه الحجارة، وهو يرميها على المسلمين الذين يلاصقون سور خندقهم، ولقد حكى من كان من الداخلين سورهم، أنه وقع فيه زهاء خمسين سهماً وحجراً، وهو يتلقاها، ولا يمنعه ذلك عما هو بصدده من الذبِّ والقتال، حتى ضربه مسلم تراق بقارورة نفط فأحرقه (٢) ".

ولما اشتد زحفهم على البلد، وتكاثروا عليه من كل جانب، وقلت رجال البلد، ضعفت نفوسهم لما رأوا الهلاك حقيقة، واستشعروا الضعف والخذلان، وتمكن العدوّ من الخنادق فملأوها، وتمكنوا من سور البلد الباشورة، فنقبوا وأشعلوا فيه النار، ووقعت بَدَنَة (٣) من الباشورة، ودخلوا فيها وقتل منهم فيها زهاء مائة وخمسين نفساً؛ وكان منهم ستة أنفس من كبارهم، فقال لهم واحد منهم: "لا تقتلونى [١١٥] حتى أُرحِّل الفرنج عنكم بالكلية"، فبادر رجل من الأكراد فقتله، وقتل الخمسة الباقية. وفى غد ذلك اليوم نادى الفرنج: "احفظوا هؤلاء الستة فإنا نُطلقكم كلُّكم بهم" فقالوا: "قد قتلناهم"، فحزنوا لذلك حزناً عظيماً، وبطلوا عن الزحف بعد ذلك ثلاثة أيام.

[ذكر خروج سيف الدين المشطوب إليهم]

ولما قتل المسلمون الستة المذكورين، اشتد حنق الفرنج عليهم جداً، وجاء الليل فحال بين الفريقين، ولما أصبح الصباح خرج أمير المسلمين بالبلد سيف الدين أحمد ابن على المشطوب، فاجتمع يملك الإفرنج الافرنسيس وطلب منه الأمان على أنفسهم ويتسلمون منه البلد، فلم يجبه إلى ذلك، وقال: بعدما سقط السور جئت تطلب الأمان. فأغلظ له الأمير سيف الدين في الكلام، ورجع إلى البلد في حالٍ الله بها عليم. ولما أخبر أهل البلد بذلك خافوا خوفاً شديدًا، وأرسلوا إلى السلطان يُعلمونه (٤) بذلك، وقال


(١) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٦٧؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٦.
(٢) الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٦.
(٣) بدَنة: اصطلاح معمارى وهو ما يعبر عنه بكتف البناء الفتح القسى، ص ٥٠٥، حاشية ١.
(٤) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ١٦٨؛ الفتح القسى، ص ٥٠٥؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٦؛ نهاية الأرب، جـ ٢٨، ٤٣٢ - ٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>