للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قاضى [١١٤] القضاة بهاء الدين -رحمه الله -: وتأخرتُ عن حضور هذا الزحف لما عرانى مرض مشوَّش لمزاجى، وكنت في الخيمة المضروبة في تل الغياضية وأنا أشاهد الجميع، ولما هجم الليل عاد السلطان إلى الخيمة بعد عشاء الآخرة، وقد أخذ منه التعب والحزن، فنام لا عن غفو، ولما كان وقت السحر أمر بدق الكوسات فركب وركبت العساكر من كل جانب، وأصبحوا على ما أمسوا عليه.

وفي هذا اليوم وصلت مطالعة من البلد يقولون فيها: "إنا قد بلغ بنا العجز إلى غاية فما بعدها إلا التسليم، ونحن في الغد - يعنى يوم الأربعاء الثامن من جمادى الآخرة - إن لم تعملوا معنا شيئاً نطلب الأمان ونسلم البلد، ونشترى مجرد رقابنا". وكان هذا أعظم خبر ورد على المسلمين وأنكاه في قلوبهم، فإن عكا كانت قد احتوت على جميع سلاح الساحل والقدس ودمشق وحلب ومصر وجميع البلاد الإسلامية، واحتوت على كبار من أمراء الإسلام وشجعانهم، كسيف الدين المشطوب، وبهاء الدين قراقوش، وغيرهما. وكان قراقوش [ملزماً] بحراستها (١) منذ نزل العدوّ المخذول عليها، وحصل للسلطان من ذلك أمر عظيم، وخيف على مزاجه التشوش، وهو لا يقطع ذكر الله والرجوع إليه في جميع ذلك، وهو صابر محتسب ملازم مجتهد. ثم صاح في العسكر منادى في جهته، فركبت الأطلاب واجتمع الراجل والفارس، واشتد الزحف في ذلك اليوم، ولم يساعده العسكر في ذلك اليوم على الهجوم عليهم، فإن الرجالة من الإفرنج وقفوا كالسور المحكم البناء بالسلاح والزنبورك (٢)، والنشاب من وراء أسوارهم، وهجم عليهم بعضهم من بعض الأطراف، فثبت المسلمون وذبّوا غاية الذب. ولم يزل الحرب يعمل بينهم بقتل وجرح حتى حجز الليل بين الطائفتين (٣).

ومن الغرائب أن امرأة منهم واقفة داخل سورهم عليها ملوطة (٤) خضراء، ولم تزل ترمى المسلمين بقوس من خشب حتى خرجت جماعة منهم، فتكاثرت عليها


(١) "ملازما" كذا في الأصل، والمثبت من النوادر السلطانية، ١٦٧.
(٢) الزنبورك - ج: زنبوركات - قد يعنى نوعا من القسى التى ترمى عنها السهام؛ وقد تعنى نوعا من السهام ذاتها، عن هذه الاختلافات، راجع: الفتح القسى، ص ١٦٨؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١١٩؛ النوادر السلطانية، ص ١٤٨ - ١٤٩؛ حاشية ١.
(٣) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٦٦ - ١٦٧؛ الفتح القسى، ٤٩٥ - ٥٩٧؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٦.
(٤) ملوطة: وجمعها ملاليط، وهى الجبة الحرير.
Dozy. Supp. Dict. Arabe vetements، P. ٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>