للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السبط (١): وأنشدني قاضى الطور مجد الدين محمد بن عبد الله الحنفي لنفسه:

مررت على القدس الشريف مُسلمًا … على ما تبقى من ربوع كأنجم

ففاضت دموع العين مني صبابة … على ما مضى من عصرنا المتقدم

وقد رام علج أن يعفى رُسومه … وشمر عن كفي لئيم منمم

فقلت له شلت يمينك خلها … لمعتبر أو سائل أو مُسلّم

فلو كان يُفدى بالنفوس فديته … بنفسي وهذا الظن في كل مسلم

[ذكر حصار التتار خوارزم]

وفي هذه السنة كان حصار التتار خوارزم، وذلك أنه لما انفصلت عنها تركان خاتون والدة السلطان علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش ومن معها من أولاد ولدها وحريمه كما ذكرنا، وافي التتار إليها، فأول من وصل تاجي بك، وبعده أنطاى بن جنكيزخان ثم حقطاي بن جنكيزخان ثم دوشي خان بن جنكيز خان، وتتابعت إليهم الأمداد صحبة بقرجن نُوين، وطُلُن، وأشتون نُوين، وقصان نُوين، في مائة ألف أو يزيدون، ونصبوا عليها المجانيق والمتاريس والدبابات، ورؤوا أن بلد خوارزم خالية من حجارة يرمون بها في المجانيق، فوجدوا هناك من أصول التُوت العظيمة شيئا غليظًا جدًا، فصاروا يقطعونه قطعا مدورة ويرمون به بعد وضعه في الماء يوما وليلة، ثم أن دوشي خان عرض عليهم أن يسلموها بالأمان، وقال: إن أباه أنعم بها عليه، ومنع العسكر من التعرض إليها منتظرًا تسليمها له، فمال كُبراؤها إلى مسالمته وسفهاؤها إلى حربه، وخرج الأمر من أيدي الأعيان. فساق دوشي خان في ذلك الجيش العظيم، فأخذوها في جملة واحدة، وصار الناس يذبون عن أنفسهم وحريمهم، فحين أعضل الأمر أرسلوا إلى دوشي خان العقبة علاء الدين محتسب (٢) خوارزم، فأكرمه دوشي خان، فقال له: إنّا قد رأينا هيبة الخان، وقد آن أن نشاهد مرحمته، فاغتاظ، وقال: ماذا


(١) بالبحث لم نجد هذه الأبيات في مرآة الزمان ووجدت في الذيل على الروضتين، ص ١١٦.
(٢) المحتسب: من وجوه العدول وأعيانهم، ويده مطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة، ويتحدث في أمر المكاييل والموازين، ولا يحال بينه وبين مصحة إذا رآها.
انظر: مصطلحات صبح الأعشى، ج ١٥، ص ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>