للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليث باسل، وأنياب أسد مهيب، تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد، وأنتم أمناؤه وثقاته، فتميلون رأيه إلى هواكم [٢٨] وتمزجون باطلكم بحقه، فيطيعكم وأنتم له عاصون، ويوافقكم وأنتم له مخالفون، والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمنا، وبفقركم غنى، وبباطلكم حقا، ورزقكم سلطانا يُقيل العثرة ويقبل المعذرة، ولا يؤاخد إلا من أصر، ولا ينتقم إلا ممن استمر، يأمركم بالعدل وهو يريده منكم، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم، يخاف الله تعالى ويخوفكم مَكْرَه، ويرجوا الله تعالى ويرغبكم في طاعته، فإن سلكتم مسالك خلفاء الله في أرضه، وأمنائه على خلقه، وإلا [هلكتم] (١) والسلام.

ولما مات وجد في بيت داره رقاع مختومة كلها لم يفتحها، وقال: لاحاجة لنا فيها، كلها سعايات بالناس، وقد ذكرنا نبذا من سيرته الجميلة في السنة الماضية (رحمه الله) (٢).

وقد خلف من الأولاد عشرة ذكورا وإناثا، منهم ابنه الأكبر الذى بويع له بالخلافة من بعده أبو جعفر المنصور، ولقب بالمستنصر بالله (٣).

[ذكر خلافة المستنصر بالله]

وهو السادس والثلاثون من خلفاء بنى العباس، وهو أمير المؤمنين أبو جعفر منصور بن أمير المؤمنين الظاهر بالله، محمد بن الناصر أحمد، بويع له بالخلافة يوم مات أبوه، استدعوا به من التاج (٤)، فبايعه الخاصة والعامة من أهل الحل والعقد، وكان يوما مشهودا، وكان عمره يومئذ خمسا وثلاثين سنة، وخمسة أشهر، وأحد عشر يوما، وكان من أحسن الناس شكلا وأبهاهم منظراً (٥). وهو كما قال القائل:

كأن الثريا علقت في جبينه … وفى خده الشعرى وفى وجهه القمر (٦)


(١) ما بين حاصرتين إضافة من الكامل، ج ١٢، ص ٤٥٧؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٢ لاستقامة المعنى.
(٢) انظر: الكامل، ج ١٢، ص ٤٥٦ - ص ٤٥٧؛ الذيل على الروضتين، ص ١٤٩ - ١٥٠؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩١ - ص ١٩٦؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢١ - ص ١٢٢؛ شذرات الذهب، ج ٥، ص ١٠٩، ص ١١٠.
(٣) انظر: البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٢.
(٤) التاج: دار مشهورة جليلة من دور الخلافة ببغداد، كان أول من وضع أساسة وسماه بهذه التسمية أمير المؤمنين المعتضد وأتمه ابنه المقتضى. انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٨٠٦.
(٥) الكامل، ج ١٢، ص ٤٥٨؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩٦ - ص ٢٠١؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٢ - ص ١٢٣؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٤.
(٦) ورد هذا البيت في البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>