للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى نسبه الشريف خمسة عشر خليفة، منهم خمسة من آبائه وُلُّوا نسقاً واحداً، وتلقى هو الخلافة عنهم وراثة كابراً عن كابر، وهذا شيء لم يتفق لأحد من الخلفاء قبله، وسار في الناس كسيرة أبيه الظاهر في الجودة وحسن السيرة والإحسان إلى الرعية، وبنى المدرسة المستنصرية التي لم يبن مدرسة مثلها في الدنيا وسيأتى بيان ذلك إن شاء الله تعالى، واستمر بأرباب الولايات الذين كانوا في عهد أبيه على ما كانوا عليه (١).

وقدم رسول من صاحب الموصل [٢٩] بدر الدين يوم غرة شعبان مع الوزير ضياء الدين أبى الفتح نصر الله بن الأثير الجزرى برسالة فيها التعزية والتهنئة بعبارة فصيحه بليغة (٢).

وفى تاريخ بيبرس: وكان ابن الأثير قد اتصل بخدمته لما فارق الملك الأفضل، ولما حضر الديوان قال: "ما لليل والنهار لا يعتذران وقد عظم حادثهما، والشمس والقمر لايخسفان وقد فقد ثالثهما"؟

فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسة … ووحشة من فيها لمصرع واحد

وذلك الواحد هو سيدنا ومولانا الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين، الذى كانت ولايته رحمة للعالم، واختير من أرومة النبي الذى هو سيد ولد آدم، فذمته موصوله بذمته، وهو شقيقه في نسبه وخليفته في أمته، ولقد وقف على السنن، وأتانا بالحسن، وحمدت الأيام في زمنه، فلم يشك مر الزمن، ومما عظم الرزية به أنه أتى عقيب رُزء، وصّل فجعُة بفَجعِة، وكان يستهول أحدهما وهو وتر، فشفع الوتر بشفعه، فياويح الإسلام فجع فيما مضى بناصره، وفجع الآن بظاهره، وقرب الوقت بينهما حتى كاد يعثر أوله بآخره، فلم تفق النفوس من برحائها حتى وافت ما طوى مضضا على مضض، ووقع ذلك موقع نكسة عطفت على مرض، ونكأ القرح بالقرح أوجع، وذهاب فرع العلياء بعد أصله ذهاب بالعلياء أجمع، وكلا هذين الرزءين رمى الناس بسهم غائر، ليس عليه من صابر، وما كان الله ليسوء دينه بمصاب خليفتين، ولا يجلو ظلمته بصباح سافر، وقد جاء بسيدنا ومولانا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، فأرضى به كل قلب سخط ولم يرض، وقيل: هذا بدل الكل من الكل، لابدل البعض من البعض، وكان الناس على خطر من


(١) ورد هذا الخبر بالتفصيل في الكامل، ج ١٢، ص ٤٥٨؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٢ - ص ١٢٣.
(٢) ورد هذا الخبر في مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩٨؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>