للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتقاض أمرهم، فأبيح لهم (١) إبرام ذلك النقض، ونسى ما تقدم من البرح، ودمل ما أعضل من القرح. ولئن عظم الأسف على ليلتين نقضتا برامة لقد أسلت عنهما ليلة السفح، والعبد قائم بهذا المقام وقلبه مقسم [٣٠] للعزاء شطراً وللهناء شطرا، فإذا نطق بهذا أسبل دمعاً، وإذا نطق بهذا أبدى ثغرا، وهو نائب عن مرسله في أخذ البيعة التى يد الله فوق يدها، والسابق إلى يومها أفضل من المتأخر إلى غدها، وهى التى تجملت بحسنها أقلام الكرام السفرة، وجعلها الله معدودة في بيعة العقبة، وبيعة الشجرة، ولها يصح قول القائل:

وبيعة من قلوب غير شاردة … ما كان في عودها ضعفٌ ولاخور

لو أنها لعتيق لم يمت حسرا … سعد ولا قال كانت فلتة عمر

وكذلك فإن العبد ينهى طاعة مرسله التى جعل يومه فيها كأمسه، وزاد في مبانى الإسلام فهو يبنى بها على ستة لا على خمسة، وقد أعدها في الدنيا معقلاً يكن في دَاره، وفى الآخرة عتاداً صالحا يسره أن يراه (٢).

قال بيبرس: وكان الإمام المستنصر يسمى أبو (٣) جعفر القاضى، ولما ولى سلك في العدل والإحسان مسلك أبيه الظاهر، وأمر فنودى ببغداد بإفاضة العدل، وأن من كانت له حاجة أو مظلمة يطالع بها، تقضى حاجته وتكشف مظلمته. فلما كانت أول جمعة أتت على خلافته أراد أن يصلى الجمعة في المقصورة التى جرت عادة الخلفاء بالصلاة فيها، فقيل له: إن المطبق الذى تسلك إليه فيها خراب، فركب فرسا وسار إلى جامع القصر، ظاهراً بحيث يراه الناس، ولم يترك أحداً يمشى معه، بل أمر كل من أراد المشى معه من أصحابه بالصلاة في مكانه (٤).

ولما ولى وردت إليه رسل ملوك الأطراف بالهنا بخلافته، والعزاء عن والده (٥). وفى تاريخ ابن كثير (٦): ثم إن المستنصر بالله كان يواظب حضور الجماعة راكبا ظاهرا


(١) "لها" في الأصل، والتصحيح من مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩٩.
(٢) ورد هذا الخبر بالتفصيل في مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩٨ - ص ٢٠٠.
(٣) "أبا" في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.
(٤) ورد هذا الخبر في الكامل، ج ١٢، ص ٤٥٨؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩٧؛ تاريخ الخلفاء، ص ٤٦٠ - ص ٤٦٣.
(٥) ورد هذا الخبر في مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٩٨.
(٦) البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>