للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال قاضى القضاة (١): ورأيته يوم الصلح وهو شاب حسن، إلا أنه محلوق اللحية على شعارهم. وكان كلام الرسول في الصلح طلبُ عَودِ البلاد إليهم كما كانت، وأن المسلمين ينصرفون إلى بلادهم، فلما سمع العادل هذا الكلام أغلظ في الجواب، وجرت منافرة اقتضت أنهم رحلوا.

أما الإفرنج فإنهم نزلوا على موضع يسمى البركة، مشرف على البحر. وأصبح السلطان في صبيحة يوم الجمعة الثالث عشر من شعبان في قرية تسمى بركة، وأقام مُطَلَّب الأطلاب متطلعاً إلى أخبار الإفرنج، فأحضر عنده اثنان منهم قد مسكهما اليَزك، فأمر بضرب أعناقهما.

ذكر وقعة أرسُوف

ولما كان يوم السبت الرابع عشر من شعبان، [١٢٢] بلغ السلطان أنهم قد تحركوا للرحيل نحو أرسوف، فركب ورتّب الأطلاب للقتال، وعزم في ذلك اليوم على مصافة القوم، وأخرج من كل طُلب جاليشًا، وسار الإفرنج حتى قاربوا شعراء أرسوف وبَساتينها، وأطلق عليهم الجاليش النشاب، ولزّتهم الأطلاب من كل جانب، والتحم القتال، واضطرمت نارها من الجانبين، وقتل منهم طائفة وجرح آخرون، واشتدوا في السير لعلهم يبلغون المنزلة فينزلون، واشتد بهم الأمرُ، والسلطان -رحمه الله - يطوف من الميمنة إلى الميسرة ويحث الناس على الجهاد.

وقال قاضى القضاة بهاء الدين (٢): لقيتُه مراراً وليس معه إلا صَبِيَّان بجنيبين (٣) لا غير، ولقيتُ أخاه وهو على مثل حاله والنشاب يتجاوزهما. ولم يزل الأمر يشتد بالإفرنج، وطمع فيهم المسلمون طمعاً عظيماً، حتى وصل أوائل راجلهم إلى بساتين أرسوف، ثم اجتمعت الخيالة وتواضعوا على الحملة، فحملوا حملةً واحدة من الجوانب كلها؛ فحملت طائفة على الميمنة، وطائفة على الميسرة، وطائفة على القلب، فاندفع الناس بين أيديهم.


(١) انظر النوادر السلطانية، ص ١٦٠.
(٢) نقل العينى هذا الحدث من النوادر السلطانية، ص ١٨٣ - ١٨٥.
(٣) الجَنِيب: جمعها جُنُبٌ. وهو المَقُودُ إلى الجَنْب من الخيل. المعجم الوجيز، ص ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>