للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شدة عظيمة، وهدمت المنجنيقات من السور مقدار قامة الرجل، ومع هذا فاللصوص يدخلون عليهم في خيامهم، ويسرقون أقمشتهم وتفوسهم، ويأخذون الرجال بأن يجئ جماعة إلى واحد منهم وهو نائم، ويضعون على حلقه السكين ثم يوقظونه، ويقولون له بالإشارة: "إن تكلمت ذبحناك" ويحملونه ويخرجون به إلى عسكر المسلمين، وجرى ذلك مراراً عديدة (١).

[ذكر قوة زحفهم على البلد لعنهم الله]

ولم يزالوا يُوالون على الأسوار بالمنجنيقات المتواصلة الضرب، بتثقيل أحجارها حتى خلخلوا أسوار البلد وأضعفوا بنيانها، وأنهك التعب والسهر أهل البلد لقلة عددهم، وكثرة الأعمال عليهم، حتى إن جماعة منهم [بقوا] (٢) ليالى عدة لا ينامون أصلاً، لا ليلاً ولا نهاراً، والخلق الذين عليهم عدد كثير يتناوبون على القتال. ولما أحسوا بضعف المسلمين، شرعوا في الزحف من كل جانب، وانقسموا أقساماً، وتناوبوا فرقاً، كلما تعبت طائفة استراحت وقام غيرهم مقامهم، وشرعوا في ذلك شروعاً عظيماً براجلهم وفارسهم، وذلك في اليوم السابع من جمادى الآخرة من هذه السنة، هذا مع عمارتهم أسوارهم الدائرة على خنادقهم بالرجالة والمقاتلة ليلاً ونهاراً.

فلما علم السلطان بذلك، ركب، وركب العسكر بأسرهم، وجمع الراجل والفارس، ووعدهم، ورغبهم، وزحف على خنادق القوم حتى دخل فيها العسكر عليهم، وجرى في ذلك اليوم قتال عظيم من الجانبين، والسلطان -رحمه الله - كالوالدة الثكلى، [يتحرك] (٣) بفرسه من طُلْب إلى طُلْب، ويحثُّ الناس على الجهاد. والملك العادل -رحمه الله - حمل بنفسه في ذلك اليوم مرتين، والسلطان يطوف بين الأطلاب، وينادى بنفسه: يا آل الإسلام، وعيناه تذرفان بالدمع، وكلما نظر إلى عكا، وما حلَّ بها من البلاء، وما يجرى على ساكنيها من المصاب العظيم، اشتدَّ في الزحف، والحث على القتال، ولم يطعم في ذلك اليوم طعاماً ألبتة، وإنما شرب بعض شروب كان يشير بها الطبيب.


(١) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٦٤ - ١٦٥؛ الفتح القسى، ص ٤٩٥ - ٤٩٦.
(٢) "بَلوْا" كذا في الأصل. والتصحيح من النوادر السلطانية، ص ١٦٦.
(٣) "يحرك" كذا في الأصل والتصحيح من النوادر السلطانية، ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>