للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر توجه السلطان إلى القدس]

ثم لما تم هذا الأمر، رحل السلطان إلى القدس في اليوم الرابع من شهر رمضان، وأمر بتشييد أسواره، وزاد في وقف المدرسة التى عملها بالقدس، وهذه المدرسة كانت قبل الإسلام تعرف بصند حنة (١)، يذكرون أن فيها قبر حنة أم مريم عليها السلام، ثم صارت في الإسلام دار علم، قبل أن يملك الإفرنج القدس، ثم لما ملك الإفرنج القدس سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة أعادوها كنيسة كما كانت قبل الإسلام، فلما فتح السلطان القدس أعادها مدرسة، فَوَّضَ تدريسها إلى القاضى بهاء الدين بن شداد رحمه الله. وأمر بأن يجعل الكنيسة المجاورة لدار الإستبار بقرب قمامة مارستانًا للمرضى، ووقف عليها مواضع، وسير أدوية وعقاقير عزيزة. فَوَّض القضاء والنظر في هذه الوقوف (٢) إلى القاضى بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم المذكور. ثم عزم السلطان -رحمه الله - على أن يحج عامه هذا من القدس، فكتب إلى الحجاز واليمن والديار المصرية والشامية ليعلموا ذلك ويتأهبون له. وكان أخوه سيف الإسلام في اليمن، وكتب إليه أيضاً بذلك، ثم فنّد الأمراء.

وكتب إليه القاضى الفاضل ينهاه عن ذلك، خوفا على البلاد من استيلاء الإفرنج عليها، ومن كثرة المظالم بها والفساد، وذكر أن النظر في أحوال المسلمين وإصلاح أمرهم، ومصابرة عدوهم، أفضل مما نوى، والعدو المخذول مخيم بعد في الشام. فسمع السلطان منه وشكره على نصحه، وعزم على ترك الحج عامه ذلك، وكتب إلى سائر الممالك.

واستمر السلطان مقيما بالقدس جميع شهر رمضان، وكلما وفد أحد من رؤساء النصارى للزيارة أولاه غاية الإكرام والإحسان، تأليفًا لقلوبهم، وتأكيدًا لما حلفوه من الأيمان، ورغبة أن يدخل في قلوبهم شيء من الإيمان، ولم يبق أحد من ملوكهم إلا جاء لزيارة قمامة متنكرا، ويحضر سماط السلطان فيمن يحضر من جمهورهم، بحيث لا يُرى، والسلطان يعلم ذلك جملةً لا تفصيلاً، ولهذا يعاملهم بالإكرام والإحسان (٣).


(١) " Sainte Anne" القديسة حنة، وقد ذكره محمد كرد على في خطط الشام، جـ ٦، ص ١٢٢ - ١٢٣ أن هذه المدرسة كانت تعرف بالمدرسة الصلاحية.
(٢) ينقل العينى هذا النص بتصرف من الفتح القسى، ص ٦١٢.
(٣) ينقل العينى هذه الأحداث بتصرف من الفتح القسى، ص ٦١١ - ٦١٢؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٤٠٧ - ٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>