فصل فيما وقع من الحوادث في السنة الثامنة عشر بعد الستمائة (*)
استهلت هذه السنة والخليفة هو الناصر لدين الله، والدنيا مكدرة، والبلاد مخبطة، بسبب الفرنج المتملكين دمياط، وبسبب استيلاء جنكيزخان على البلاد.
[ذكر ماجريات الفرنج]
وفي هذه السنة قوي طمع الفرنج المتملكين لدمياط في الديار المصرية، وتقدموا عن دمياط إلى جهة مصر، ووصلوا إلى المنصورة، واشتد القتال بين الفريقين برًا وبحرًا، وكتب السلطان الملك الكامل متواترة إلى أخوته وأهل بيته يستحثهم على إنجاده، فسار الملك المعظم عيسى بن الملك العادل صاحب دمشق إلى أخيه الملك الأشرف، وهو ببلاده الشرقية، واستنجده وطلب منه المسير إلى أخيهما الملك الكامل، فجمع الملك الأشرف عساكره واستصحب عسكر حلب معه، وكذلك استصحب معه الملك الناصر قليج أرسلان بن الملك المنصور صاحب حماة، وكان الملك الناصر خائفا من السلطان الملك الكامل من التعرض إليه فسار معه بعسكر حماة، وكذلك سار صحبة الملك الأشرف كل من صاحب بعلبك الملك الأمجد بهرام شاه بن الملك فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، وصاحب حمص الملك المجاهد شيركوه، وسار الملك المعظم عيسى بعسكر دمشق ووصلوا إلى الملك الكامل، وهو في القتال مع الفرنج على المنصورة، فركب والتقى أخويه ومن في صحبتهما من الملوك وأكرمهم، وقويت نفوس المسلمين وضعفت نفوس الفرنج بما شاهدوه من كثرة عساكر الإسلام وتحملهم، واشتد القتال بين الفريقين ورُسُل الملك الكامل وأخوته مترددة إلى الفرنج [٤١٩] بسبب الصلح وبذل المسلمون لهم تسليم القدس الشريف، وعسقلان وطبرية، واللاذقية، وجبلة، وجميع ما فتحه السلطان صلاح الدين (رحمه الله) من الساحل، ما عدا الكرك والشوبك، على أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط إلى المسلمين، فلم يرض الفرنج بذلك، وطلبوا ثلثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب أسوار القدس، فإن الملك المعظم خربها كما ذكرنا. وقالوا: لابد من تسليم الكرك والشوبك. وبينما الأمر متردد في الصلح والفرنج متمنعون، إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها