للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر رحيل الإفرنج صَوْب عَسْقلان

لما كان يوم الأحد مستهل شعبان من هذه السنة، اشتعلت نيران الإفرنج في سُحرة ذلك اليوم، وكانت عادتهم أنهم إذا أرادوا الرحيل أشعلوا النيران، ولما أخبر السلطان بذلك أمر أن لا يبقى أحد إلا على ظهر مركبه، فهلك من الناس في ذلك اليوم قماش كثير ولاسيما من السوقة لقلّة الظهر. ثم سارت الإفرنج في ذلك اليوم قاصدين عسقلان، وركب السلطان أيضاً بعساكره وهم يُسايرونهم ويُعارضونهم منزلة منزلة ومرحلةً مرحلةً، وكانت مدة إقامة السلطان على عكا صابراً مرابطاً سبعةً وثلاثين شهراً، وجملة من قتل من الفرنج في هذه المدة خمسون ألفاً، وسار السلطان حتى أتى القيمون (١) عصر ذلك النهار، فنزل وقد ضرب له دهليز وشقة دائرة حوله لاغير، واستحضر الجماعة وأكلوا شيئاً، واستشارهم فيما يفعل، فاتفقوا على أنهم يرحلون بكرة غد، وقد رتَّب حول الفرنج يَزَكا يبيتون حولهم ويرتبون أمرهم. ولما كان صباح الاثنين الثانى من شعبان أرحل السلطان الثقل وأقام هو يترصد أخبار العدوّ، فلم يصل إليه شيء من خبرهم حتى [علا] (٢) النهار، ثم سار في إثر الثقل حتى أتى قريةً يقال لها الصبّاغين، فجلس ساعةً يترقب أخبارهم فلم يأت خبرٌ، فسار حتى أتى منزلة يقال لها عيون الأساود.

قال قاضى القضاة بهاء الدين (٣) رحمه الله: ولما بلغنا المنزل رأى السلطان خيماً فسأل عنها، فقيل أنها خيم الملك العادل، فعدل إليه، فأقام عنده ساعةً ثم أتى خيمته، وفُقِدَ الخبز في هذا المنزل بالكلية. وغلا الشعير حتى بلغ الربع بدرهم، وبلغ الرطل من البقسماط بدرهمين. ثم ركب السلطان وسار إلى موضع يسمى الملاحة يكون منزلاً [١١٩] للعدو إذا رحلوا من حَيْفا، وكان السلطان قد سبق لتفقد المكان، وأنه هل يصلح للمصاف أم لا، وتفقد أراضى قيسارية بأسرها إلى الشعراء، وعاد إلى المنزل بعد دخول وقت العشاء.


(١) القيمون: حصن قرب الرملة من أعمال فلسطين، انظر: معجم البلدان، جـ ٤، ص ٢١٨.
(٢) "على" في الأصل، والمثبت هو الصحيح.
(٣) انظر: النوادر السلطانية، ص ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>