للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنفق السلطان على جماعة وقواها بهم. ثم نزل الفرنج عليها بقضهم وقضيضهم، واشتد زحفهم عليها عشية السبت تاسع جمادى الأولى، بعد أن أخذوا فيها نقبا، فطلب أهلها الأمان فلم يجابوا، وطلبوا من قيصر وجماعته النجدة فلم ينجدوا. ولما عرف الوالى أنهم مأخوذون، محمد إلى الخيل والجمال والدواب فعرقبها، وإلى الذخائر فأحرقها. وفتحوها بالسيف وأسروا منها عدة يسيرة، ثم لم يلبثوا بها ولم يرغبوا فيها. ورحلوا عنها ونزلوا على ماء يقال له الحسىُ، وهو قريب من جبل الخليل عليه السلام، وذلك في يوم الخميس رابع عشر الشهر المذكور. ثم تركوا خيامهم وساروا وقصدهم قلعة هناك يقال لها مجدل حباب، فخرجت عليهم أسد اليزكية المكمنة من الغاب فقاتلوهم قتالاً شديدًا، وقتل منهم من جملة من قتل كندٌ كبير، وعادوا مغلولين مخذولين مهزومين، ثم رحل الإفرنج من الحسى يوم الأحد سابع عشر الشهر المذكور، وتفرقوا فرقتين بعضهم عادت إلى عسقلان، وبعضهم جاؤا إلى بيت جبرين (١).

[ذكر قصد الإفرنج بيت المقدس شرفه الله]

وفى يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر المذكور، نزلت الإفرنج بجموعهم الوافرة بتل الصافية، ونزلوا يوم الثلاثاء السادس والعشرين بالنطرون (٢)، فأرجفت الألسن بأنهم على قصد بيت المقدس، ثم ضربوا خيامهم يوم الأربعاء على بيت نوبة. وأمر السلطان صلاح الدين رحمه الله بنقل الأزواد، وفرق الأبراج على الأمراء والأجناد. وكان قد سار من عرب الإسلام جماعة للغارة على يافا، فوصلوا عائدين من غير علم بحركة العدو، فنزلوا في بعض الطريق يقتسمون، فوقعت عليهم عسكر للعدو وأخذوهم، وهرب منهم ستة نفر فوصلوا إلى السلطان وأخبروه الخبر، ووصلت الجواسيس وأصحاب الأخبار من جانب العدو، أنهم مقيمون بالنطرون لنقل [١٤٤] الأزواد والآلات التى تدعو الحاجة إليها في الحرب، فإذا حصل عندهم ما يحتاجون إليه قصدوا القدس (٣). وكان السلطان رحمه الله قد سير إلى العساكر من سائر الأطراف أن سابقوا إلى الحضور، وكان أول من قدم بدر الدين دلدروم مع خلق كثير من التركمان، ولقيه السلطان وأكرمه. ثم وصل بعده


(١) انظر: الفتح القسى، ص ٥٩١ - ص ٥٩٢.
(٢) النطرون: حصن كان للداوية قرب الرملة بجنوب فلسطين واسمه أيضاً "أطرون". انظر: معجم البلدان، جـ ١، ص ٣١٠.
(٣) إلى هنا ينقل العينى من ابن شداد، النوادر السلطانية، ص ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>