للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر قصة ملك الألمان]

صح الخبر أن ملك الألمان عبر من قسطنطينية الخليج، وأنه وصل بجمعه إلى مضايق صعب عليه العبور، فقيل إنهم أقاموا في قفار ومواضع صعبة شهرا، عدموا فيها الطعام ولم يجدوا بها إلا ضُرًا، وكان التركمان الأوجية (١) على طريقهم يمنعون من تشريقهم، فاضطروا إلى المقام بغير زاد، فصاروا يذبحون خيولهم ويأكلونها، ويكسرون قنطارياتهم لفقدان الحطب ويشعلونها، فترجلت منهم ألوف، وكان ذلك في البرد الشديد وزمان الثلج والجليد، وعدموا دواب لحمل الأثقال، ونقل عُدد الرجال فدفنوا من ذلك شيئا كثيرا، وأحرقوا منها، وكان ظنهم أنهم إذا عادوا أخذوا ما دفنوه، فأخذ المسلمون ما دفنوه وكانوا في عدد كثير، فما أثر فيهم ذلك ولا صدهم عن مقصدهم، وما زالو يسيرون حتى بلغوا إلى بلاد صاحب الروم قُونية وغيرها. وهو قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن قتلمش بن سلجوق (٢).

وفي المرآة (٣): وكانوا في ستمائة ألف مقاتل جاءوا من إفرنجة، فخاف منهم ملك القسطنطينية، فقالوا له لا تخف نحن ما جينا إلا لنخلص القدس وصليب الصلبوت ونهلك بلاد المسلمين (٤).

وكان بين السلطان صلاح الدين وبين ملك قسطنطينية مراسلة ومكاتبة، وكان وصل منه رسول إلى السلطان بمرج عيون في رجب سنة خمس وثمانين وخمسمائة، في جواب رسول كان أنفذه السلطان إليه بعد تقرير القواعد وإقامة قانون الخطبة في جامع في قسطنطينية، وكانت الخطبة أقيمت وأكرم الرسول إكرامًا زائدًا، وكان السلطان قد أنفذ مع الرسول خطيبًا ومنبرًا وجمعا من المؤذنين والقراء، وكان يوم دخولهم القسطنطينية يوما عظيمًا، ولما رقى الخطيب المنبر، حضر هناك جمع كثير من التجار والمسلمين المقيمين بها، وأقام الخطيب الدعوة العباسيّة، وبعد ذلك كله جاء رسول صاحب القسطنطينية


(١) التركمان الأُوجيُّة أو الأوج: صنف من الأتراك الخزلجية فيما وراء سيحون يسكنون قرية صغيرة، انظر معجم البلدان، جـ ١، ص ٣٩٧.
(٢) نقل العينى هذا النص بتصرف من النوادر السلطانية ص ١٢٣ - ص ١٢٤؛ الفتح القسى ص ٣٨٩؛ الكامل، جـ ١٠، ص ١٩٣ - ١٩٤؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٥٤ - ص ١٥٥؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣١٨.
(٣) مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٥٨.
(٤) انظر النوادر السلطانية، ص ١٣٢ - ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>