وأما ما كان من أمر العادل فإنه لما فر من الإفرنج لكثرتهم وقلة من كان معه توجه إلى دمشق وكتب إلى واليها المعتمد ليحصنها من الإفرنج وينقل الغلات من داريا إلى القلعة ويرسل الماء على أراضي داريا وأراضى قصر حجاج والشاغور، ففزع الناس من ذلك وابتهلوا إلى الله بالدعاء وكثر ضجيجهم بالجامع وأقبل العادل فنزل بمرج الصفر وأرسل إلى ملوك الشرق ليقدموا إلى قتال الإفرنج، فكان أول من ورد صاحب حمص أسد الدين شيركوه، فتلقاه الناس فدخل من باب الفرج وجاء وسلم على ست الشام بدارها عند المارستان ثم عاد إلى داره، ولما قدم أسد الدين سرّي عن الناس وأَمِنُوا وانقضت السنة وجموع الفرنج على عكا، ثم اتفق الملك العادل والمعظم ولده على هدنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
[ذكر قضية جنكزخان]
ولما عاد السلطان علاء الدين خوارزم شاه من بلاد العراق وصل إليه رسل جنكزخان وهم: محمود الخوارزمي، وعلى حجا البخاري، ويوسف الأتراري مصحوبين بما يجلبه الترك من نقر المعادن [٣٧٠] ونوافح المسك واليشب وثياب الطرق والتي تتخذ من صوف الحمل الأبيض، وأبلغوه سلام الخان الكبير وأنه يطلب منه المهادنة وفتح الطريق للتجار إلى بلاد مملكته، فأجاب السلطان إلى ذلك وعاد الرسل إلى جنكزخان وأعلموه بإجابته فسر بها وترددت التجار. وقال أبو الفتح: وكان يباع الثوب من طرقو بخمسين دينارا. وذكر أيضا أن من جملة رسالة جنكزخان: إنه غير خاف عليك أني ملكت الصين وما يليها من بلاد الترك وقد أذعنت لي قبائلهم وأنت أخبر الناس بأن بلادي مثارات العساكر ومعادن الفضة وأن فيها الغنية عن طلب غيرها، وأحضر السلطان علاء الدين محمود الخوارزمي أحد الرسل المذكورين ليلا، وقال له: إنك رجل خوارزمي ولابد لك من موالاة فينا وميل إلينا ووعده الإحسان إن صدقه فيما يسأله وأعطاه من معضدته جوهرة نفيسة علامة للوفاء بما وعده وشرط عليه أن يكون عينا على جنكزخان فأجابه إلى ما سأل رغبة ورهيبة، ثم قال: أصدقني فيما يقول جنكزخان إنه مَلَكَ الصين واستولى على مدينة طوغاج (١) هل هو صادق أم كاذب. فقال: بل صادق ثم نذكر إن شاء الله ما وقع من جنكزخان.
(١) مدينة طوغاج: هي قاعدة ملك التتار بالصين. تقويم البلدان، ص ٣٦٥.