للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان يوم الثلاثاء رابع رمضان طلعوا بأسرهم ومعهم سلم عظيم فزحفوا من ناحية باب دمشق وألصقوا السلم بالسور، فقاتلهم المسلمون ودخلت رماح الفرنج من المرامي من كل ناحية فضرب بعض الزراقين السلم بالنفط فأحرقه وقتل عنده جماعة من أعيان الفرنج، منهم كند كبير فلما رأوه مقتولا صاحوا وبكوا وكسروا عليه رماحهم. واستشهد [٣٦٩] في ذلك اليوم من أبطال المسلمين الأمير بدر الدين محمد بن أبي القاسم، وسيف الدين بن المرزبان وكانا من الصالحين الأجواد، وأغلق المسلمون باب الطور وباتوا يداوون الجرحى واتفقوا على أنهم يقاتلون قتال الموت ولا يسلمون أنفسهم لئلا يجرى عليهم ما جرى على أهل عكا، وكان في الطور أبطال المسلمين وخيار عسكر الشام، وأوقد الفرنج حول الطور النيران، فلما كان وقت السحر يوم الخميس سادس رمضان رحلوا طالبين عكا، وجاء المعظم فصعد إلى الطور وأطلق المال والخلع وطيب قلوب الناس، ثم اتفق العادل والمعظم على حراب الطور وقيل: إن المعظم أنفد كتابا إلى الخليفة وفي أوله بيتان هما [للأمير] (١) عبد المحسن الحلبي الكاتب:

قل للخليفة لا زالت عساكره … لها إلى النصر إصدارٌ وإيرادُ

إن الفرنج بحصن الطور قد نزلوا … لا تغفلن فحصن الطور بغداد

وقال السبط (٢): أنشدني [الأمير] (٣) الحلبي هذين البيتين.

ولما انفصل الفرنج عن الطور قصد ابن أخت الهنكر جبل صيدا وقال: لا بد لي من أهل هذا الجبل. فنهاه، صاحب صيدا وقال: هؤلاء رماة وبلدهم وعر فلم يقبل وصعد في خمسمائة من أبطال الفرنج إلى حزيز (٤) ضيعة الميادنة قريبا من مشعرًا فأخلاها أهلها وجاء الفرنج فنزلوا بها وترجلوا عن خيولهم ليستريحوا، فتحدرت عليهم الميادنة من الجبال فأخذوا خيولهم وقتلوا عامتهم وأسروا ابن أخت الهنكر وهرب من بقي منهم نحو صيدا، وكان معهم رجل من المسلمين يقال له الجاموس، فقال لهم: أنا أوصلكم إليها فقالوا: إن فعلت أغنيناك. فسلك بهم أودية وعرة والمسلمون خلفهم يقتلون ويأسرون، ففهموا أن الجاموس غرّهم فقتلوه. ولم يفلت إلى صيدا سوى ثلاثة أنفس بعد أن كانوا خمسمائة. وجاءوا إلى دمشق بالأسارى وكان يوما عظيما.


(١) الأمين كذا في الأصل والمثبت من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٨٣؛ والذيل على الروضتين، ص ١٠٣.
(٢) مرآة الزمان، ج ٤، ص ٣٨٣.
(٣) "الأمين" كذا في الأصل. والمثبت من المرآة، جـ ٨، ص ٨٣.
(٤) حَزِيزٌ: موضع قريب من جيلة. معجم البلدان، جـ ٢، ص ٢٦٣ - ص ٢٦٤.
ـ

<<  <  ج: ص:  >  >>