للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء، ثم اجتذبه المسلمون إليهم بكلاليب من جديد في سلاسل، فحصَّلوه عندهم. وألقوا عليه الماء البارد فبرد بعد أيام، فكان فيه من الحديد مائة قنطار بالدمشقي (١).

وقال العماد (٢) الكاتب رحمه الله: وعمل الفرنج دبابةً هائلة، في رأسها شكل عظيم يقال له الكبش، وله قرنان في طول رمحين كالعمودين العظيمين الغليظين. وهذه الدبابة في هيئة الخربشت (٣) الكبير، وقد سقفوها مع كبشها بأعمدة الحديد، ولبَّسوا رأس الكبش بعد الحديد بالنحاس. فحاصل الكلام أبطل المسلمون سعيهم في ذلك، وأحرقوها كما ذكرنا، ولله الحمد.

وفي أثناء ذلك حصل للسلطان سوء مزاج من كثرة ما يكابده من الأمور التي هي أَمرُّ من الأُجاج، فطمع العدو المخذول في الإسلام، فتجرد منهم جماعة للقتال، وثبت آخرون على الحصار، وأقبلوا في عدد كثير وعدد غزير، وكانوا صوروا القدس في ورقة عظيمة، وصوّروا فيه صورة القمامة التي إليها يحجون ويُعظمون شأنها، وفيها قبر المسيح الذي دفن فيه بعد صلبه على زعمهم الفاسد، وذلك القبر أصل حجهم وهو الذي يعتقدون نزول النور عليه في كل سنة في عيد من أعيادهم، فصوروا القبر، وصوروا عليه فرسًا عليه فارس مسلم راكب عليه وقد وطئ قبر المسيح، وقد بال الفرسُ على القبر، وأظهروا هذه الصورة وراء البحر في الأسواق والمجامع، والقسوس يحملونها رؤوسهم مكشفة وعليهم المسُوح، وينادون بالويل والثبور، فهاج بذلك خلائق لا يحصون، ولما كثروا على المسلمين، رتّب السلطان الجيش ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين.

فلما رأى الفرنج ذلك فروا من موقف الحرب، فقتل منهم خلق كثير وجمّ غفير، ولما دخل فصل الشتاء وانشمرت مراكبُ الإفرنج عن البلد، خوفا من الهلاك؛ بسبب اغتلام البحر، سأل من في البلد من المسلمين السلطان، أن لا يخرجهم ويريحهم مما هم فيه من الحصر العظيم، والمقاتلة ليلا ونهارًا، وأن يرسل إلى البلد بدلهم، فَرقٌ لهم السلطان، وعزم على ذلك. وكانوا قريبا من عشرين ألف مسلم ما بين أمير ومأمور، فجهز


(١) ورد هذا النص بتصرف في كل من النوادر السلطانية، ص ١٤٢؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٦٣؛ البداية والنهاية، ص ٣٣٨. والقنطار الدمشقي مائة رطل. انظر الروضتين، جـ ٢، ص ١٦٣ طبعة وادي النيل.
(٢) الفتح القسى، ص ٤٣٢ - ص ٤٣٥.
(٣) الخربشت: بمعنى الخيمة وهي كلمة فارسية. انظر: محمد التونجي، المعجم الذهبي، ص ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>