للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العادل، ونادوا في حماة في شعاره (١)، وقالوا: هذا بدل الملك الناصر، والبلد له، وكان صبيا صغيرا، ولم يمكنوا الأمير مجد الدين الهكاري ومثقال الجمدار الكاملي من الصعود إلى القلعة، وأنزلوا إليهما الملك المعز فاجتمع بهما، وقال لهما: هذه القلعة لي ولإخوتي نقوم عليها، وأي واحد منامات كان فينا من يقوم مقامه، وليس بيننا وبين من يقصدنا إلا السيف. ثم رجع إلى القلعة، ورجع مجد الدين ومثقال الجمدار، فصاحت عامة البلد عليهما ورجموهما بالحجارة، فرجعا إلى السلطان وأخبراه بذلك، فحينئذ أرسل الكامل إلى ابن أخته المظفر تقي الدين محمود يأمره أن يتفق مع مماليك أبيه على تسليم القلعة إليه، وكان نازلا بظاهر البلد مع العسكر، محاصرا له، فراسلهم المظفر في ذلك، فأجابوه إلى تسليم القلعة إليه، وأرسلوا إليه من يستحلفه لهم، فخرج إليه جماعة من الأعيان، فاجتمعوا به في الجوسق (٢) الذي (٣) بناه الناصر أخوه على العاصي، واستحلفوه لمن في القلعة، وشرطوا عليه أن لا يدخل البلد إلا بجماعته خاصة، وأن لا يدخله أحد من عسكر الكامل، فأجاب إلى ذلك وواعده الوصول بجماعة إلى باب النصر ليلا ليفتحوه له، فجاءهم في الليلة الثانية إلى باب النصر، ففتحوا له فدخل بجماعته ثم أغلق الباب ومضى إلى دار أبيه المعروفة بدار الأكرم (٤) فنزلها، وأصبح الناس قاصدين بابه مهنئين له بمصير الملك إليه، وكان أهل حماة قد حلفوا له بولاية عهد أبيه المنصور سنة ست عشرة وستمائة، وجرى من تغلب أخيه على الملك ما جري كما ذكرناه، فعاد الحق إلى نصابه واستقر في أربابه، وفرحت الرعية بملكه، وكانوا خائفين من تغلب الكامل على البلد، فأمنوا من ذلك، وكانت مدة (٥) الملك الناصر لحماة وبلادها تسع سنين إلا شهرين، وصعد المظفر القلعة فتسلمها، وأخذ الكامل منه سلمية،


(١) شعار: الشعار هو علامة يتميز بها القوم عن غيرهم، وشعار السلطنة هي أنواع الملابس والأدوات والترتيبات التي كان السلطان يظهر بها في المواكب الحافلة.
انظر: مصطلحات صبح الأعشي، ج ١٥، ص ٢٠٢.
(٢) الجوسق: هو لفظ معرب من الفارسي على كلمة "كوسك" ومعناه القصر الصغير.
انظر: المعجم الوسيط، ص ١٥٢ - ص ١٥٣؛ معجم الألفاظ التاريخية، ص ٥٧.
(٣) "التي" كذا في الأصل، والمثبت هو الصحيح لغة.
(٤) دار الأكرم: هي دار الوزير خُطَير الدين الأكرم بن الدخماسي بالجانب من حماة المعروف بالسوق الأعلى، وهي معروفة بدار الإكرام، وهي الآن مدرسة تعرف بالخاتونية، وقفتها عمة مؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود ابن المنصور.
انظر: مفرج الكروب، ج ٤، ص ٢٧١؛ المختصر، ج ٣، ص ١٤٤.
(٥) "وكان" كذا في الأصل، والمثبت هو الصحيح لغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>