للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الخركاة، ودخل بعض الخواص على السلطان جلال الدين، فأخذ بيده وأخرجه وعليه طاقية بيضاء، وركب فرسه، وساق، فعلم أن التتار تتبعه، فأمر أترخان أن يفارقه بمن معه ليتبع التتار سواده (١)، وتخلص هو بنفسه ومفرده ففعل، وكان ذلك خطأ، فإن أترخان لما فارقه انضوى إليه من شداد العسكر خلق، ووصل إلى إربل ومعه [١٢٥] أربعة آلاف فارس، وساق إلى أصبهان، وملكها زمانا إلى أن قصدها التتار، وسار السلطان إلى باشورة (٢) آمد، والطلب وراءه، وكانت آمد قد تشوشت، وظن أهلها أن الخوارزمية أرادوا الغدر بهم، فضربوا السلطان جلال الدين، ورموه بالحجارة، فلما أيس منهم ومن الدخول إلى آمد تياسر عنها، وانضوى إليه زهاء مائة نفس، ثم رمته الجفلة بهم إلى حدود جزيرة بها دربندات منيعة، فكانوا يمانعونه في العبور، وطمعت الناس، وقتل بعضهم شحنة همذان، فأشار عليه أترخان بالعود، وقال: إن أسلم الطريق اليوم طريق سلكه التتار، فرجع برأيه ليكون هلاكه من جميع الوجوه بتدبيره، ووصل إلى قرية من قرى ميافارقين، فنزل وسيب الخيل ترعى، وفارقه أترخان جبنا، ووثوقا بما كان بينه وبين الملك المظفر شهاب الدين غازي من المودة والعهود، وأقام جلال الدين بالبيدر (٣)، فستره الليل حتى إذا كان الفجر طلع عليه التتار، فركب لوقته، وعوجل أكثر جماعته، فقتلوا وأسروا بعضهم، وركب السلطان، فقال بعض الأسرى للتتار: إنه جلال الدين فجدوا في طلبه، وساق وراءه خمسة عشر فارسا منهم، ولحقه فارسان فقتلهما، وأيس الباقون من الظفر به، فرجعوا، ثم صعد الجبل، وكان الأكراد يحفظون الطرق لسحت يجمعونه، فأخذوا جلال الدين وسلبوه كعادتهم، فحين هموا يقتله قال لكبيرهم: إنني أنا السلطان فلا تعجل في أمري، ولك الخيار في إحضاري عند الملك المظفر شهاب الدين غازي فيغنيك، أو إيصالي إلى بلدي فتصير ملكا، فرغب الرجل في إيصاله إلى بلاده، ومشي


(١) السواد: العدد الكثير.
انظر: المصباح المنير، مادة "سود".
انظر: معجم البلدان، ج ٣، ص ١٧٤.
(٢) الباشورة: الحائط الظاهري أو ما يري منه، وتجمع على بواشير.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٧٩، حاشية (٨).
(٣) البيدر: الموضع الذي تدرس فيه الغلال.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٨٠، حاشية (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>