للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقاني في الطريق شاب حسن الوجه، طيب الرائحة، فسلم على وقال: يا محمود أنت من الأبدال، وقد أعطاك الله الدنيا، فاشتر بها الآخرة، وسله مهما شئت، ثم علمني كلمات وقال: إذا طلبت أمرًا فاذكرها، فقلت له: بالله من أنت؟ فقال: أنا أخوك الخضر، ثم غاب عني. فإذا عزمت على أمر، أو أردت أن أذهب إلى مكة أو إلى المدينة أو إلى أي بلد شئت، لبست العباءة، وتكلمت بتلك الكلمات، وأغمض عيني وما أفتحها إلا وأنا في تلك البقعة.

قال السبط (١) أيضا: وحكى لى نجم الدين الحسن بن سلام (٢) أحد عدول دمشق وأعيانها، وكان صديقنا وصاحبنا (رحمه الله) قال: لما ملك الأشرف (٣) بن العادل دمشق، وبني مسجد أبي الدرداء (٤) في القلعة، وأفرده عن الدور، قال: وما صلى فيه أحد منذ زمان أبي الدرداء إلى الآن. فقلت له: الله الله يا مولانا، مازال نور الدين منذ ملك دمشق يصلي فيه الصلوات الخمس، فقال: من أين لك هذا؟ قلت: حدثني والدي -وكان من أكابر عدول دمشق، وكان أبوه يلقب بالسعيد- أنه لما نزلت الفرنج على دمياط (٥) بعد وفاة أسد الدين شيركوه (رحمه الله) وضايقوها وأشرفت على الأخذ، فأقام نور الدين عشرين يوما صائما لا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف (٦). وكان مهيبًا لا يتجاسر أن يخاطبه أحد في ذلك (٧)، وكان له إمام يقال له يحيى، ضرير، يصلي به في هذا المسجد، وكان يقرأ عليه القرآن، وله عنده حرمة، فاجتمع إليه خواص نور الدين وخدمه، وقالوا [له] (٨): قد خفنا على السلطان، ونحن من هيبته ما نقابله (٩)، وأنت تدل


(١) يستمر العيني في النقل بتصرفه عن المرآة، ج ٨، ص ١٩٩.
(٢) هو: النجم بن سلام، متولي ديوان دمشق بالقلعة بعد الشمس بن النفيس. توفي سنة ٦٤٣ هـ/ ١٢٤٥ م. انظر: الذيل على الروضتين، ص ١٧٥.
(٣) هو: الملك الأشرف موسي بن العادل أبو بكر بن أيوب. ملك دمشق بعد ابن أخيه الناصر داود سنة ٦٢٦ هـ/ ١٢٢٩ م. وذلك بالاتفاق مع أخيه الملك الكامل محمد. توفي سنة ٦٣٥ هـ/ ١٢٣٨ م. انظر: وفيات الأعيان، ج ٥، ص ٣٣٠ - ٣٣٦.
(٤) هو: عويمر بن زيد، أو ابن عامر، أو ابن مالك، بن عبد الله بن قيس بن عائشة بن أمية، أسلم يوم بدر، توفي سنة ٣٢ هـ/ ٦٥٢ م، انظر السلمي: طبقات الصوفية، ص ٥٧ - ٥٨، حاشية (و). والمسجد من المقامات والمزارت في قلعة دمشق. انظر: خطط الشام، ج ٦، ص ١٥٧؛ وانظر أيضًا: ابن قتيبة: المعارف ص ٢٦٨، تحقيق ثروت عكاشة، القاهرة ١٩٦٠ م.
(٥) عن نزول الفرنج على دمياط انظر: ما سبق في أحداث سنة ٥٦٥ هـ؛ انظر أيضا: الباهر، ص ١٤٣ - ١٤٤.
(٦) "أن يتلف" في نسخة ب.
(٧) "لا يتجاسر أحد أن يخاطبه في ذلك" في نسخة ب.
(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من أ، والمثبت من نسخة ب.
(٩) "لا نقابله" في مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>