للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديد، فكانت السفن تدخل من الشبابيك إلى أرض المارستان، وَرَقَت المرضى إلى الأسطحة، وامتلأت مقبرة أحمد بن حنبل (رحمه الله) كلها، ولم يسلَم منها إلا موضع قبر بشر الحافي (١) (رحمه الله)؛ لأنه كان على نشز. وكان من يري مقبرة أحمد (رحمه الله) بعد أيام يدهش، كأن القبور قد قلبت، وجمع الماءُ من عظام الموتي كالتل العظيم، وكذلك من ألواح القبور (٢).

ومنها أن بالموصل كان نحو مما كان ببغداد أو أكثر؛ حتى انهدم بالماء نحو من ألفي دار، وهلك تحت الهدم شئ كثير.

ومنها أن الفرات أيضا زاد زيادة عظيمة، فهلك بسببها شئ كثير من القبور (٣)، وغلت الأسعار بالعراق في هذه السنة في الزروع والثمار، ووقع الموتان في الغنم، حتى أبيع الحمل منها بقيراط، وأصيب كثير ممن أكل منها بالعراق وغيرها (٤).

ومنها أن في رمضان توالت الأمطار بديار بكر والموصل أربعين صباحا، لم يروا الشمس فيها سوى مرتين لحظتين يسيرتين، فتهدمت "البيوت" (٥) والمساكن على أهلها.

ومنها أنه سقط أبو العباس أحمد (٦) ابن أمير المؤمنين المستضئ من قبة شاهقة إلى الأرض، ولكنه سلم ووثئت (٧) يده اليمنى وساعده الأيسر، وانسلخ شيء من أنفه، وكان معه خادم أسود يقال له نجاح، فلما رأى سيده قد سقط إلى الأرض، ألقى نفسه أيضا وقال: لا حاجه لي بالحياة بعد. فسلم أيضًا. فلما صارت الخلافة إلى أبي العباس الناصر كان لا ينساها لنجاح، فحكَّمه في الدولة، وأحسن إليه كثيرا.


(١) بشر الحافي: هو أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله المروزي المعروف بالحافي -أسلم على يد علي بن أبي طالب (- رضي الله عنه -)، أصله من مرو، وسكن بغداد وتوفي بها سنة ٢٢٦ هـ / ٨٤١ م وقيل بمرو، انظر: شذرات الذهب، ج ٢، ص ٦٠.
(٢) إلى هنا توقف العيني عن النقل من المنتظم، ج ١٨، ص ٢٠٤ - ٢٠٦.
(٣) "التبول"، في نسخة ب.
(٤) وردت هذه الأحداث بتصرف في المنتظم، ج ١٨، ص ٢٠٧.
(٥) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٦) أبو العباسي أحمد بن المستضيء توفي سنة ٦٢٣ هـ/ ١٢٢٦ م. انظر: البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٢٦.
(٧) "وثئت" من الوثء، وهو ما يصيب اللحم، ولا يبلغ العظم. القاموس المحيط، مادة "وثأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>