للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضاغنة وكل واحد منهما ينقض حكم الآخر، فلما كتب إليه صلاح الدين بأن (١) يساعده على أخذ دمشق أعانه وفتح له أبوابها. فلما دخلها صلاح الدين مشي إلى دار كمال الدين وطيب قلبه، وجاء إلى الشيخ أحمد والد الشيخ أبي عمر شيخ الحنابلة -وأحمد أول من سكن منهم قاسيون- فزاره ومعه ألف دينار، فدفعها للشيخ أحمد فامتنع من أخذها. فاشترى كمال الدين قرية الهامة بوادي بَردَىَ (٢)، ووقف نصفها على الشيخ أحمد والمقادسة، والنصف الآخر على الأسارى، وهي باقية إلى هلم جرا.

ولما مرض كمال الدين وهو بدمشق بلغ ابن أبي عصرون وهو بحلب، فقدم دمشق ودخل على القاضي كمال الدين وعانقه وبكيا، فلما توفي كمال الدين تولى ابن أبي عصرون أمره، وخرج في جنازته ماشيا هو وجميع الملوك مشاة؛ سيف الإسلام وتقي الدين عمر وشمس الدولة وغيرهم. وصلى عليه بجامع دمشق، وحمل إلى قاسيون، فدفن بسفحه قريبا من الجادة عند مسجد البصار (٣). ولم يكن عنده من أولاده أحد وإنما كان عنده ابن أخيه ضياء الدين أبو الفضائِل (٤)، وكان كمال الدين قد تصدق بجميع ما كان عنده وأوصى بماله، ووقف أوقافًا كثيرة على أبواب البر، وقيل إنه لم يكن له كفن فكفن في إحرامه. وأوصى بالقضاء إلى ابن أخيه ضياء الدين مع وجود ولده، وكان لكمال الدين ولد اسمه محمد (٥) بن محمد بن عبد الله ولقبه محي الدين، وكان [أبو] (٦) ضياء الدين قاضيا على حلب، وهو تاج الدين الشهرزوري.

وفي تاريخ الدولتين (٧): ولما مات كمال الدين كان عمره ثمانين سنة.


(١) "أن" في المرآة، جـ ٨، ص ٢١٦.
(٢) بَرَدَى: أعظم نُهر دمشق، مخرجة من قرية قَنْوَا من كورة الزبداني، ويمر بمدينة دمشق في ظاهرها فيشق ما بينها وبين العقيبة حتى يصب في بحيرة المرج في شرقي دمشق. انظر: معجم البلدان، جـ ١، ص ٥٥٦ - ٥٥٧.
(٣) "البصار" في نسختى المخطوطة أ، ب، ولعله مسجد البيطار إذ ذكر ابن عساكر: أن مسجد البيطار من مساجد دمشق بناه ابن البيطار، ولم تذكر المصادر التي وقعت بين أيدينا اسم مسجد "البصار" انظر ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، مجلد ٢ ق ١، ص ٥٦.
(٤) هو ضياء الدين أبو الفضائل القاسم ابن القاضي تاج الدين أبي طاهر يحيى بن عبد الله. توفي سنة ٥٩٩ هـ/ ١٢٠٣ م. انظر ترجمته في وفيات الأعيان، جـ ٤، ص ٢٤٤ - ٢٤٥.
(٥) هو القاضي أبو حامد محمد بن القاضي كمال الدين بن الشهرزوري. توفي سنة ٥٨٦ هـ/ ١١٩٠ م. انظر ترجمته في وفيات الأعيان، جـ ٤، ص ٢٤٦ - ٢٤٨.
(٦) "أبوه" في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت بين الحاصرتين من وفيات الأعيان، ج ٤، ص ٢٤٥. والمقصود هنا ضياء الدين أبو الطاهر يحى أخو كمال الدين الشهرزوري، توفي بالموصل سنة ٥٥٦ هـ/ ١١٦١ م.
(٧) الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٦٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>