للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرها. إلا أن أشدها وأعظمها كان بالشام، فخربت بعلبك، وحمص، وحماة، وشيزر (١)، وبعرين (٢)، وغيرها، وتهدمت أسوارها وقلاعها، وسقطت الدور على أهلها، وهلك من الناس ما يخرج عن العد والإحصاء. فلما أتي نور الدين خبرها، سار إلى بعلبك، ليعمر ما انهدم من أسوارها وقلعتها، وكان لم يبلغه خبر غيرها. فلما وصلها أتاه خبر باقي البلاد بخراب أسوارها، وخلوها من أهلها، فرتب ببعلبك من يحميها ويعمرها، وسار إلى حمص، ففعل مثل ذلك، ثم إلى حماة، ثم إلى بارين. وكان شديد الحذر على البلاد من الفرنج لاسيما بارين؛ فإنها مع قربها منهم لم يبق من سورها شيء ألبتة، فجعل فيها طائفة صالحة من العسكر مع أمير كبير، ووكل بالعمارة من يحث عليها ليلًا ونهارًا.

ثم أتي مدينة حلب، فرأى فيها من آثار الزلزلة ما ليس بغيرها من البلاد؛ فإنها قد أتت عليها، وكانوا لا يقدرون يأوون إلى بيوتهم السالمة من الخراب خوفًا من الزلزلة، فإنها عاودتهم غير مرة، وكانوا يخافون يقيمون بظاهر حلب خوفًا من الفرنج، فلما شاهد ما صنعت الزلزلة بها وبأهلها أقام فيها، وباشر عمارتها بنفسه، وكان هو يقف على استعمال الفعلة والبنائين، ولم يزل كذلك حتى أحكم أسوارها، وجميع البلاد، وجوامعها، وأخرج من الأموال ما لا يقدَّر قدره.

وأما بلاد الفرنج -خذلهم الله- فإنها أيضًا فعلت فيها الزلزلة قريبا من هذا، وهم أيضًا يخافون نور الدين على بلادهم، فاشتغل كل منهم بعمارة بلاده عن قصد الآخر.

قال العماد (٣): وكانت قلاع الإفرنج المجاورة لبعرين كحصن الأكراد (٤)، وصافيثا (٥)، والعُريْمة (٦) وعرقا (٧). وقد وافقت الزلزلة الفرنج يوم عيدهم وهم في


(١) شيزر: قلعة تشتمل على كورة بالشام، قرب المعرة بينها وبين حماة يوم، ملوكها بني منقذ. انظر: معجم البلدان، ج ٣، ص ٣٤٨.
(٢) بعرين (بارين): بليدة بين حمص والساحل. معجم البلدان، ج ١، ص ٦٧٢.
(٣) انظر قول العماد في الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٤٦٨ - ٤٧٠، حيث ينقل عنه العيني بتصرف.
(٤) "ولحصن الأكراد" في الروضتين، وهو خطأ. حيث أن حصن الأكراد كان يتبع الفرنج في ذلك الوقت. ويؤيد ذلك ما ورد في المرآة، ج ٨، ص ١٧٤؛ معجم البلدان، ج ٢، ص ٣٧٦.
(٥) صافيثا: قلعة تقع إلى الشمال من عرقة من أعمال حلب. انظر العماد: الفتح القسي، ص ٢٢٧ حاشية (١). وذُكرت من الحصون القريبة من طرابلس مع العُريمة وعرقا في خطط الشام، لكرد على، ج ٥، ص ٢٩٣.
(٦) العُريمة: موضع بين أجا وسلمى. انظر: معجم البلدان، ج ٣، ص ٦٦٣.
(٧) عرقا: بلدة في شرقي طرابلس. وهي في سفح جبل، وعلى جبلها قلعة. انظر: معجم البلدان، ج ٣، ص ٦٥٣؛ انظر أيضًا عن القلاع والحصون بالشام، خطط الشام، ج ٥، ص ٢٩١ - ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>