للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاجب أنه قد حضر إلى أمير المؤمنين، فدخل الحاجب وأعلم يوسف به، فعجب منه كيف أقدم على الحضور عنده بغير عهد!، وأمر بإدخاله عليه، فدخل وقبَّل يده، وقال: قد حضرت إلى أمير المؤمنين؛ أطلب العفو عني وعن أهل بلدي، وأن يفعل ما هو أهله، واعتذر إليه، فَرَقَّ له وعفا عنه وعن أهل البلد، وتسلمها أول سنة ست وسبعين، وسير علي بن المعز صاحبها إلى بلاد المغرب، فكان فيها مكرمًا عزيزًا، وأقطعه ولاية كبيرة، ورتب يوسف بقفصة طَائفة كبيرة من أصحابه، وحضر مسعود بن زمام أمير العرب إليه، فعفا عنه وسيره إلى مراكش (١)، وسار يوسف إلى المهدية (٢)، فأتاه بها رسول صاحب صقلية؛ يلتمس الصلح منه، وهادنه عشر سنين، وعاد يوسف إلى المغرب مسرعًا، لأن بلاد إفريقية كانت مجدبة، فتعذر القوت والعلف على عسكره، فرحل عنها (٣).

ومنها أن امرأة قدمت إلى القاهرة وهي عديمة اليدين، وكانت تكتب برجليها كتابة حسنة، فحصل لها مال جزيل من الملوك والخواتين (٤)، فقال العماد الكاتب:

أُخْمِلتُ (٥) في مِصر ومَنْ يلتمسْ … غِناهُ في غربتِه يخْمُلِ

كتابتي قَدْ كَسَدتْ سُوقها … وحِيلَتي بارَتْ ولم أعْطُلِ (٦)

كيف يَبِينُ الفضْلُ في بلدةٍ … نِساؤُها يكتُبْن بالأَرْجُلِ

ومنها أن قراقوش التقوي سار إلى بلاد المغرب، فحاصر قابس (٧) وقلاعا كثيرة حولها، واستحوذ على أكثرها، فاتفق أنه أسر من بعض الحصون غلامًا أمرد (٨)، فأراد


(١) مَرَاكُشُ: أعظم مدينة بالمغرب، في وسط بلاد البربر، أول من اختطها يوسف بن تاشفين من الملثمين في حدود سنة ٤٧٠ هـ/ ١٠٧٧ م، بينها وبين جبل دَرَن ثلاثة فراسخ، وهو في جنوبها. معجم البلدان، ج ٤، ص ٤٧٨.
(٢) المَهْدِيّة: في موضعين، إحداهما بإفريقية والأخرى اختطها عبد المؤمن بن علي قرب سلا، والتي بإفريقية منسوبة إلى المهدي، وبينها وبين القيروان مرحلتان، والقيروان في جنوبها على ساحل البحر المتوسط، معجم البلدان، ج ٤، ص ٦٩٣.
(٣) نقل العيني هذا النص بتصرف من الكامل، ج ١٠، ص ١٠٤.
(٤) نقل العينى هذا النص بتصرف من النجوم الزاهرة، ج ٦، ص ٨٦.
(٥) خمل: أي لم يعرف أو يذكر، انظر مادة "خمل"، المعجم الوسيط، ج ١، ص ٢٥٦.
(٦) "أغطل" في نسخة ب.
(٧) قابسُ: مدينة بين طرابلس وصفاقص ثم المهدية، على ساحل البحر من أعمال إفريقية، معجم البلدان، ج ٤، ص ٣.
(٨) كذا في الأصل والروضتين، ج ٢ ق ١، ص ٦٣؛ "أسود" في البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>