للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سار عن نصيبين وقصد الموصل، وقد استعد صاحبها مسعود ومجاهد الدين قيماز للحصار، فأقام عليها منجنيقا، وأقاموا عليه من داخل المدينة مجانيق، وضايق الموصل، فلما رأى طول الحصار رحل عنها إلى سنجار وحاصرها وملكها، واستناب بها سعد الدين بن معين الدين، وكان من أكبر الأمراء.

ثم سار صلاح الدين إلى حران، وعزل عن نصيبين في - طريقه - أبا الهيجاء السمين، ثم عاد إلى حلب وقد استحوذ على بلاد الجزيرة كلها، وخضعت له الملوك هناك.

ولما وصل إلى حلب تسلمها من صاحبها عماد الدين زنكى، وقد كان قايض أخاه عز الدين مسعود بها إلى سنجار كما ذكرنا في العام الماضي، فاستوسقت (١) له الممالك شرقا وغربا وبُعدا وقربا، وتمكن حينئذ من قتال أعدائه من الفرنج - لعنهم الله - وتملكه حلب وغيرها إنما كان في السنة الآتية على ما نذكره إن شاء الله تعالى (٢).

وفى تاريخ بيبرس: عبر صلاح الدين الفرات وملك الديار الجزرية، وسبب ذلك أن مظفر الدين كوكبورى بن زين الدين على بن بكتكين - مقطع حران - أرسل إلى صلاح الدين؛ يعلمه أنه معه وأنه محب لدولته، ووعده النصر، وأنه إذا عبر الفرات يعينه ويعرفه أخذ البلاد، فرحل عن بيروت، وَرُسُل مظفر الدين متواترة إليه؛ تحثه على القدوم، فجدَّ السير يُظهر أنه يريد حصر حلب. ولما قارب الفرات سار إليه مظفر الدين واجتمع به، فقصد البيرة، وكان صاحبها مع صلاح الدين وفى طاعته، فعبر هو وأصحابه من الجسر الذى عند البيرة.

وكان عز الدين مسعود ومجاهد الدين قايماز، لما بلغهما وصول صلاح الدين إلى الشام، قد جمعا العسكر وسارا إلى نصيبين، ليكوناً على أهبة لئلا يتعرض صلاح الدين إلى حلب، ثم تقدما إلى دارا (٣) فنزلا [٢٢٤ و] عندها، فجاءهما أمر لم يكن في


(١) استوسق الأمر: انتظم. المعجم الوجيز، ص ٦٦٩، مادة "وسق".
(٢) وردت هذه الأحداث بتصرف في زبدة الحلب، جـ ٣، ص ٥٩؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٣٢؛ الكامل، جـ ١٠، ص ١١٢ - ١١٤.
(٣) دارا: بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين، معجم البلدان جـ ٢، ص ٥١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>