للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الجهات نحو ألف فارس والتقوا فهزمهم الملثم، فساروا إلى مراكش، واستقر الملثم في بجاية، وجمع جيشه وخرج إلى أعمال بجاية، فأطاعه جميعها إلا [قسنطينية] (١) الهواء فحاصرها، وجاء جيش من الموحدين من مراكش إلى بجاية في البر والبحر، وكان بها يحيى وعبد الله أخوا علي ابن إسحاق الملثم، فخرجا منها هاربين ولحقا بأخيهما فرحل [عن قسنطينية] (٢) وسار إلى إفريقية. وكان سبب إرسال الجيش من مراكش أن والى بجاية وصل إلى يعقوب بن يوسف صاحب الغرب، وعرَّفه ما جرى ببجاية واستيلاء الملثمين عليها وخوفه عاقبة التواني، فجهز العساكر في البر في عشرين ألف فارس، والأسطول في البحر في خلق عظيم، فاستعادوها (٣).

ومنها أن في هذه السنة كتب زين الدين بن نجية الواعظ كتابًا من مصر إلى صلاح الدين يشوقه إليها، وكان السلطان بدمشق. قال: "أدام الله أيام مولانا السلطان الملك الناصر، وقرنها بالتأييد والنصر والتسديد، أقوى ما يشتاق مولانا إلى مصر ونيلها [١٦] وخيرها وسلسبيلها، ودار ملكه ودارة فلكه، وبحرها وخليجها، ونشرها وأريجها، ومقسم مقاسمها وأنيس إيناسها، وقصور معزها ومنازل عنها، وجيزتها وجزيرتها، وبركها وبركتها، وتعلق القلوب بَقْليوبها، واستلاب النفوس لأسلوبها، وملتقى البحرين ومرتقى الهرمين، وروضة جنانها وجنة رضوانها، ومشاهدها ومجامعها، ومساجدها وجوامعها، ونواظر بساتينها، ومناظر ميادينها، وساحات سواحلها، وآيات فضائلها" (٤).

وذكر ابن نجية كلامًا طويلاً من هذا الجنس. فكتب إليه السلطان: "ورد كتاب الفقيه زين الدين أدام الله توفيقه، لا ريب أن الشام أفضل، وأن أجر ساكنه أجزل، وأن القلوب إليه أميل، وأن زلاله البارد [أَعَلُّ] (٥) وأنهل، وأن الهواء في صيفه وشتائه أعدل،


(١) "قسطينة" في الأصل. والمثبت هو الصحيح. وقسنطينية هي آخر مملكة بجاية وأول مملكة إفريقيا ويقال لها قسنطينية الهواء. انظر أبو الفدا: تقويم البلدان، ص ١٣٨ - ص ١٣٩؛ معجم البلدان، ج ٤، ص ٣٩٩، ط. دار صادر، بيروت.
(٢) "إلى قسطينة" كذا في الأصل. والمثبت من الكامل، ج ١٠، ص ١٢٩؛ معجم البلدان، ج ٤، ص ٣٦٩ ..
(٣) ابن الأثير، الكامل، ج ١٠، ص ١٢٨ - ص ١٢٩.
(٤) يشير العماد الأصفهاني إلى أن خطاب زين الدين الواعظ وقع في يده ولكن فقد منه، بدليل قوله "ولو ظفرت به الأوردته بلفظه وجلوته بوعظه لكنني فقدته فعزمت معانيه وأحكمت مبانيه" انظر: الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ١٨٩؛ كما وردت هذه الرواية بتصرف في مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٦٣.
(٥) "أعلا" في الأصل. والمثبت من الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>