للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن كثير (١): ولما اجتمع السلطان بولده الأفضل خيم على عشترا، وسمع الفرنج بذلك، فاجتمعوا كلهم وتصالحوا فيما بينهم، ودخل بينهم قومص صاحب طرابلس الذي نقض العهد، وإبرنس الكرك في جمع عظيم، قيل: كانوا خمسين ألفاً. وقيل: ثلاثاً وستين ألفاً، وقد خوفهم القومص بأس المسلمين، فاعترض عليه إبرنس الكرك، فقال له: [لا أشك] (٢) إنك تحب المسلمين وتخوفنا من كثرتهم، والنار لا تخاف من كثرة الحطب. فقال القوم لهم: ما أنا إلا واحد منكم، وسترون غب ما أقول لكم. وكانت طبرية لقومص، وكان قد هادن السلطان ودخل في طاعته - كما ذكرنا - فأرسلت الفرنج إليه والقسوس والبطرك ينهونه عن [٣٤] موافقة السلطان.

وأصل ملك قومص طبرية أنه كان لطبرية ملك يقال له أماري بن فلك، هلك في آخر سنة تسع وستين وخمسمائة، وخلف ولداً مجذوماً قد سقطت أعضاؤه، فوضع الفرنج التاج على رأسه، ورضوا به مع عيبه، حتى لا يخرج الملك من بيتهم، فبقى بينهم زهاء عشر سنين ملكاً مطاعاً (٣)، فلما أحس بهلاكه أحضر البطريق والقسوس وأكابر دولته، وكان له ابن أخت صغير، وقال لهم: يكون هذا ملكاً ولكن القومص يكفله إلى أن يكبر، فإذا كبر يستقل بالملك دونه. فلما سمع قومص الوصية بذلك قبلها وسكن بطبرية، وتزوجت أم الصغير بقومص، فأراد قومص أن يستبد بالملك فلم يوافقه الداوية، وقالوا يلزمك العمل بشروط الوصية، فكفل بالأمر وهو مغلوب، ورغب في مقاربة السلطان ومهادنته؛ ليتقوى بذلك على المُلك. فاشتد أمره إلى أن مات الصغير، فانتقل المُلك منه إلى أمه، وبطل ما كان في نية قومص من استبداده بالملك، فانتقل المُلك إليها واجتمع الفرنج عليها، فقالت لهم: زوجى أقدر على الملك وهو أحق به. وأخذت التاج من رأسها فوضعته على رأسه، ثم إن الملك الكبير طالب قومص بحساب ما تولاه، فاستنصر قومص عليه بالسلطان صلاح الدين، فهادنه وتقرب منه. ثم لما اجتمعت العساكر الإسلامية من الشامية والمصرية والجزرية، جاء الملك إلى قومص بنفسه وقبح له رأيه في مهادنته مع السلطان، ورجَّعه عن ذلك، حتى اتفقت الإفرنج كلهم على المسلمين (٤).


(١) نقل العينى هذا النص بتصرف من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٤١ - ص ٣٤٢.
(٢) "لاشك" في الأصل. والمثبت من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٤٢، حيث ينقل العينى عنه.
(٣) ورد هذا النص يتصرف في الفتح القسى، ص ٦٧ - ص ٦٨.
(٤) ورد هذا النص بتصرف في الفتح القسي، ص ٦٧ - ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>