للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (١) إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (٢) الحمد لله الذي أنجز لعباده الصالحين وعد الاستخلاف، وقهر بأهل التوحيد أهل الشرك والخلاف، وخص سلطان الديوان العزيز بهذه الخلافة، وبدل الأمن به من المخافة، وادخر هذا الفتح الأسني والنصر الأهني لخادم المقام النبوي، ومنحه أخلص أوليائه وأخص أصفيائه بعد أن انقرض من الملوك الماضية والقرون الخالية على حسرة تمنيه وفوات ترجيه، وتقاصرت عنه الهمم وتخاذلت عنه ملوك الأمم. فلله الحمد الذي حقق بفتحه ما كان في النفس، وبدل وحشة الكفر فيه [٤٥] من الإسلام بالأنس، وجعل عز يومه ماحيًا ذل أمسه، وأسكنه العالم والفقيه، بعد البطرك والقس وعباد الصليب والشمس، وأخرج أهل يوم الجمعة من أهل يوم الأحد، وقمع من كان يقول بالتثليث أهل قل هو الله أحد. وقد فتح الخادم بأمر الله من الداروم إلى طرابلس، وجميع ما حوت مملكة الفرنج إلى نابلس، وغسلت الصخرة بدموع الباكين من المؤمنين، ونزع لباس البأس عنها بإفاضة ثواب المحسنين، ورجع الإسلام الغريب منه إلى داره، وطلع قمر الهدي من سراره، وعادت الأرض المقدسة إلى ما كانت عليه من التقديس، وأمنت المخاوف بها وفيها فصارت صباح السُرَي ومناخ التعريس (٣)، وأقصى عن المسجد الأقصى الأقصون من الله الأبعدون، وتوافد إليه المصطفون المقربون، وخرس الناقوس برحيل المسيحيين، وخرج المفسدون بدخول المصلحين، وقال المحراب لأهله: مرحبًا وأهلًا، وشمل جماعة المسلمين ما جمع الله لهم فيه شملًا، ورفعت الأعلام الإسلامية على منبره، فأخذت من بِرِّه أوفي نصيب، وتلت بألسنة عربها {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (٤)، وغسلت الصخرة بدموع المتقين من دنس الكافرين، وبَعُد أهل الإلحاد من قربها بقرب الموحدين، وذكر بها ما نسي من عهد المعراج النبوي والإعجاز المحمدي، وعاد الإسلام بإسلام البيت المقدس إلى تقديسه، ورجع ببنائه من التقوى إلى تأسيسه، وذكر العماد فصولًا في هذا المعنى (٥).


(١) سورة النور. آية رقم ٥٥.
(٢) سورة النور، آية رقم ٥٥.
(٣) "العريس" كذا في الأصل، والمثبت من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٥٥؛ الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ٣٢٤.
(٤) سورة الصف، آية ١٣.
(٥) انظر: مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٥٥ - ص ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>