للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سابع عشر ربيع الأول، وكان الشقيف في يد صاحب صيدا "أرناط" (١)، فنزل إلى خدمة السلطان وبذل له تسليم الشقيف بعد مدة ضربها، خديعةً منه. فلما بقي للمدة ثلاثة أيام استحضره السلطان، فقال له في التسليم، فقال: لا يوافقني عليه أهل الحصن، فأمسكه السلطان وبعث به إلى دمشق فحبس به، ثم تحول السلطان من مخيّمه إلى أعلى الجبل يوم الأربعاء الثامن من رجب لمحاصرة الحصن، ورتّب لها عدة من الأمراء وأمرهم بملازمته في الصيف والشتاء إلى أن تسلمه بعد سنة بحكم السَلْم، وأطلق صاحبه وأجرى عليه حكم الحِلْم.

وفي تاريخ بيبرس: (٢) لما نزل إلى السلطان صاحب الشقيف، وهو أرناط صاحب صيدا، أظهر الطاعة والمودة وقال: أنا محبّ لك ومعترف بإحسانك، وأخاف أن يعرف المَركيسُ صاحب صُورَ ما بيني وبينك، فينال أولادي وأهلي منه أذىً فإنهم عنده، وأشتهي أن تمهلني حتى أتوصل إلى تخليصهم، وحينئذ أحضر أنا وإياهم إلى خدمتك ونسلم الحصنَ، وأكون في خدمتك ونقنع بما تعطنا من إقطاع، فظن صدقه فأجابه إلى ما سأل. وأقام بمرج عيون ينتظر الميعاد وهو قلق مُفكِرٌ لقرب المدة -أعنى مدة المهادنة- التي بينه وبين صاحب أنطاكية، فأمر تقي الدين ابن أخيه أن يسير فيمن معه من عساكره وعساكر الشرق، ويكون مقابل أنطاكية لئلا يغير صاحبها على بلاد الإسلام عند انقضاء مدّة الهدنة، وكان بلغه أن الفرنج اجتمعوا بمدينة صُور، وما يتصل بهم من الأمداد في البحر، وأن صاحب عَسقلان الذي كان أسَره ومَنّ عليه اجتمع مع المركيس بصُور، وأنهم خرجوا في خلق لا يحصى، وكان يخشى أن يترك الشقيف وراء ظهره ويتقدم إلى صور، وفيها الجموع المتوفرة فتقطع الميرة عنه، وكان أرناط صاحب الشقيف مجتهدًا في تحصينه وتحصيل ما يُقويه من الأقوات والسلاح، وبلغ ذلك الناصر، فأحضره قبل انقضاء المدة، فقال له: تُسَلم الحصن. فاعتذر، وذكر ما ذكرناه الآن (٣).


(١) هو أرناط صاحب صيدا. انظر:
Reynold Garnier : Lord of Sidon and Beaufort
وعن سياسته لعقد هذه الهدنة راجع مفرج الكروب، ج ٢، ص ٢٨٢؛ وانظر
Runciman: History of the Crusades، v.٢، p. ٤٦٩ - ٤٧٠
وهو رينالد ويعرف بريجنالد صاحب صيدا. انظر: الباز العريني الشرق الأوسط والحروب الصليبية، ص ٨٧٠، القاهرة، ١٩٦٣.
(٢) من الملاحظ أننا لم نحصل على تاريخ بيبرس، لهذا استعنا بالمصادر الأخرى وخاصة النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ج ٢٨، ص ٤١٣، حيث ينقل عن بيبرس في أغلب الأحيان.
(٣) الكامل، ج ١٠، ص ١٨٠ - ص ١٨١؛ نهاية الأرب، ج ٢٨، ص ٤١٣ - ص ٤١٤؛ الروضتين، ج ٢، ص ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>