للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاد السلطان إلى خيم ضربت له بقرب اليزك، وأقام إلى يوم الأربعاء تاسع [عشر] (١) الشهر، وركب في ذلك اليوم ليطلع من الجبل على القوم، ولم يكن له نية القتال، فلم يستصحب معه من يستظهر به من الرجال، وتبعه خلق كثير من غزاة البلاد بغير علمه؛ وظنوا أن السلطان إنما ركب للقتال وعلى عزمه، وكان الفرنج قد بصروا بالقوم، فطمعوا فيهم، [وأنفذ] (٢) السلطان بعض الأمراء إلى الغزاة الرجالة ليعودوا، فما قبلوا، وحمل عليهم العدو فأسروهم وقتلوهم، وختم الله لهم بالشهادة، وحمل الحاضرون من الأمراء والعسكر على الإفرنج حملةً واحدةً، وتزاحموا على الجسر، فغرق منهم زهاء ثمانين في النهر. والحرب سجال، فيوم لنا، ويوم علينا، ولم يكن لأولئك الغرقاء (٣) بقتال الفرنج دُرْبة. وممن لقي الله بالشهادة، وختم له بالسعادة، الأمير غازي بن سعد الدولة بن مسعود بن البَصّار (٤) [٦٨] وكان شابًا شجاعًا، فلم يُصِب الكفار من المسلمين منذ أصيبوا غير هذه الكرّة (٥).

وفي النوادر (٦): لما كان يوم الاثنين السَابع عشر من جمادى الأولى بلغ السلطان من جانب اليَزك أن الفرنج قد قطعوا الجسر الفاصل بين أرض صور وأرض صيدا، وهي الأرض التي نحن عليها، فركب السلطان وصاح الجاووش بالناس، فركب العسكر يُريدون نحو اليَزك، فوصل العسكر وقد انفصلت الوقعة، وذلك أن الفرنج عبر منهم جماعة الجسر، فنهض لهم اليزك الإسلاميّ، وكانوا في عدة وقوة، فقاتلوهم قتالًا شديدًا، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وجرّحوا أضعاف ما قتلوا، ورموا في النهر جماعة، فغرقوا، ولم يقتل من المسلمين إلا مملوك السلطان، يعرف بأيبك الأخرش، وكان شجاعًا باسلًا، مجربًا للحرب [فارسا] (٧)، تقنطر به فرسُه، فلجأ إلى صخرة، فقاتل بالنشاب حتى فني، ثم


(١) ما بين الحاصرتين مثبت من الفتح القسى، ص ٢٩٠؛ النوادر السلطانية، ص ٩٩.
(٢) "ونفذ" في الأصل والمثبت من الفتح القسى، ص ٢٩٠.
(٣) "الغرباء" في الفتح القسي، ص ٢٩١.
(٤) "ابن البيطار" في الروضتين، ج ٢، ص ١٤١، أما بقية المصادر فقد اتفقت مع ما ورد في المتن.
(٥) نقل العيني هذه الأحداث من الفتح القسى، ص ٢٨٩ - ص ٢٩١.
(٦) النوادر السلطانية، ص ٩٨ - ٩٩.
(٧) "ممارسا" كذا في الأصل والمثبت من النوادر، ص ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>